منتدى الجمال
منتدى الجمال
منتدى الجمال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الجمال

جمال وإبداع.... تميز وكمال
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السيرة النبوية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:51 pm

العمليات التأديبية ضل القبائل العربية المناوئة للإسلام

وفضلاً عن عملية إجلاء يود بنى قينقاع عن المدينة ، نفذ الرسول سلسلة من العمليات التأديبية التي قادها بنفسه ضد القبائل العربية المتحالفة مع قريش والتي هدفت إلى غزو المدينة ، انطلاقاً من موقف تحالفها مع قريش قوى الشرك ودرجاً مع شرعة الغزو السائدة لدى القبائل ... المفكر العسكري غلوب باشا باحثاً قضية العلاقة بين مدينتي مكة و المدينة مع القبائل العربية بقوله :



((على الرغم من أن العداء كان في هذه الفترة قائماً بين مدينتي مكة و المدينة إلا أن القبائل البدوية التي تعيش في الصحاري المجاورة لعبت دوراً هاماً في المشاحنات التي قامت بين المديتين . وكان هؤلاء البدو بتجوالهم المستمر بين المدينتين يؤدون دوراً بارزاً في نقل الأخبار والمخابرات وهي ضرورة عسكرية كان المسلمون مفتقرين إليها أشد الافتقار في البداية . يضاف إلى هذا أن هذه القبائل كانت تحتل الصحراء المكشوفة وكانت قادرة عن هذا الطريق على حماية القوافل أو نهبها ، وكانت قريش واثقة من أنها لو استطاعت ضمان ولاء هؤلاء البداة فإن قوافلها تستطيع أن تنجو من الغزاة المسلمين ، أما إذا أفلح النبي في كسب ولاء هذه القبائل فإن أهل مكة سيصبحون محصورين داخل مدينتهم ويتعرضون للتضوع جوعاً . كان المسلمون قد فازوا بصداقة قبيلة جهينة التي تقيم في السهل الساحلي ، لكن قبيلتي غطفان وبي سليم المقيمتين في الشرق من المدينة ظلتا حليفتين لقريش . ودفعت هذه الأوضاع المسلمين إلى القيام بغزوات صغيرة عديدة ضد هاتين القبيلتين لارهابهما وإقناعهما بأن صداقة محمد خير لهما من التحالف مع أهل مكة )) [7].

معركة احد

كان للهزيمة القاسية التي حلت بالجيش المكي ، دورها في ضياع هيبته ، مضافاً إليها عملية الحصار الاقتصادي الإسلامي لمكة عن طريق تحركات السرايا الإسلامية التي هيمنت عملياً على طريق القوافل الواصلة بين مكة والشام . . مما جعل القيادة القرشية تعيش أحلك ظروفها ، خاصة وان قوام حياة مكة يرتكز على التجارة أساساً . وكان لهذين العاملين الهامين أن عجلا في تسريع المواجهة ثانية بين قريش والمسلمين ، ليمحو المشركون عنهم عار الهزيمة أولاً ، ولفتح الطريق أمام تجارة قريش ثانياً .



ومن هنا شكل المكيون جيشاً قوامه ثلاثة آلاف محارب بإمرة أبي سفيان الذي تحرك بقواته باتجاه المدينة ، وعسكر في شمالها قرب جبل أحد حيث التقى هناك بالقوة الإسلامية المؤلفة من ستمئة وخمسين رجلاً بقيادة الرسول . . .



وكان أن وضع الرسول خطته حطته الحربية لمجابهة جيش الأعداء الذي يفوقه عدة وعدداً اعتماداً على مبدأ القتال الجماعي و مجابهة الأعداء بكتلة بشرية متراصة . ويتحدث الباحث العسكري المستشرق جيورجيو عن.. خطة الرسول الحربية والأسلوب الذي اتبعه صايغاً ذلك على لسان النبي محمد r بقوله :



(( إن خطتنا الحربية اليوم هي خطتنا في يوم بدر تماماً ، فعليكم أن تشكلوا الصفوف المتكاملة المتراصة ، حتى لا يجد الخصم فرصة لشق الصفوف ومحاربتكم من الخلف علينا اليوم أن نقدر قوة خصمنا ، ففيه الآن جيش من الفرسان ، مئتا فارس بقيادة خالد بن الوليد ، وبإمكان هؤلاء الفرسان أن يبددوا صفوفنا . عندما تتشكل صفوفنا المتراصة بكل مربع أو دائرة تثبت تجاه أية حملة من المشاة ، أما إذا كانت الحملة من الفرسان فإن صفوفنا تقع في خطر . وقد نستطيع أن نصد صف الفرسان الأول ، و لكننا أيقنا أننا سنفاجأ بسيل من الخيل والفرسان يلاحقونا من الصف الأول ، وسيشتت شملنا حتماً . ومن الواضح أن سرعة حركة الخيل لن تسمح لنا بإعادة تنظيم صفوفنا كما كانت .وبعد ذلك أثار محمد r بإصبعه نحو الجنوب و تابع :



لم إذا أراد خالد بن الوليد مهاجمتنا فسيأتينا من هذه الناحية ، لأن هذا السهل يسهل حركة جياده .



أن الموقع الذي أشار إليه محمد كان شعباً في جبل أحد ، تكثر فيه الحقول . وان عبر هذه الحقول أحد نحو الجنوب فقد وصل إلى الدينة . وفي ذلك الشعب تلة قليلة الارتفاع ، تدعي (عينين) فقسم محمد r الرماة من المشاة إلى قسمين برئاسة (عبد الله بن جبير) حيث أمره أن يتخذ مكانه على تلك التلة ، وعدد هاتين الفرقتين خمسون نفراً على رأي بعض المؤرخين ، ومئة نفر على رأى آخرين ، وأعتقد أن عددهم مئة ، كل فرقة خمسون )) [8] .



لقد أدرك الرسول الأهمية الاستراتيجية لهضبة عينين ، وأنها تشكل خطراً ساحقاًعلى المسلمين إن استطاع المشركون مباغتتهم من الخلف . . . وعملياً كانت مسيرة المعركة تجري في صالح المسلمين ، فما إن التحم الطرفان حتى ظهر النصر جلياً لصاح المسلمين الذين أخذت تتحرك قواهم بصفوف متراصة منتظمة يستحيل اختراقها ساحقة قوى الخصم ، دافعة العدو إلى الخلف ، وما عتم أن دب الرعب والذعر في صفوفه ، فتراجع منهزماً فانكشفت صفوفه . . .



ولقد دللت مسيرة المعركة على عبقرية الرسول العسكرية في تحقيق النصر في المرحلة الأولى وإدراكه موقع الخطر الذي وقع فيه المقاتلون المسلمون بارتكابهم الخطأ الفادح حين خالفوا الرسول فسارعوا إلى جمع الغنائم من معسكر العدو المنهزم ، ونزل الرماة بدورهم متخلين عن موقعهم الاستراتيجي فكانوا أن فتحوا الثغرة القاتلة التي تبينها الرسول ووضع لأجلها الرماة خشية قيام خيالة العدو ، بقيادة خالد بن الوليد بحركة التفاف مباغتة من الخلف ، وكان لتخلي الرماة عن مواقعهم على الجناح الأيسر ما عدا قلة قليلة بقيت مع قائدها عبد الله بن جبير ، أن تبدل سير المعركة وقلبت موازينها ، وتحولت هزيمة الجيش المكي الأكيدة إلى نصر ، فكاد أن يفنى الجيش الإسلامي لولا ثبات قلة التفت حول رسول الله r واستبسلت استبسالاً ملحمياً بعزيمة لا تقهر ، وهي تذود عن صاحب الرسالة ، حتى تمكنت أن تفتح طريقاً حتى مضيق عينين الذي تكسرت عنده هجمة المشركين . . . مما اضطر قادتهم إلى الانسحاب من المعركة بعد أن تواعد الفريقان على اللقاء في بدر العام المقبل ، واعتبر المكيون أنفسهم منتصرين وثأروا للهزيمة في بدر ، إذ أوقعوا الكثير من القتلى في صفوف المسلمين الذين مثل بجثثهم . . . ولا يخفى أن غالبية المؤرخين الإسلاميين عدوا موقعة أحد نصراً لقريش وهزيمة للمسلمين .



على إن للاستشرق المنصف كلمته إذ لم ير في معركة أحد هزيمة للمسلمين ، ولم تكن بالتالي نصرا للمشركين ، وهذا ما استعرضه المستشرق جيورجيو مناقشاً أراء المؤرخين الإسلاميين كباحث عسكري، انطلاقاً من مفهوم النصر والخسارة في الحرب ، يقول :



((يذكر المؤرخون الإسلاميون أن المسلمين خسروا في معركة أحد . وهذا الرأي يحتاج إلى مناقشة . ولو أننا تحدثنا مع متخصص حربي في مسألة خسارة المعركة ، وسألناه : ما هي علامة الخسارة الحربية ؟ ، لأجاب إن كان جيش الخصم المنتصر احتل البلاد ، وأزال جيش العدو ، عد عندئذ منتصراً ، أما أن احتل دولة ما ولم يتمكن من أبادة جيشها فلا تعتبر الدولة خاسرة . فألمانيا في الحرب العالمية احتلت روسيا كلها ، ووصلت جيوشها حتى شواطيء نهر الفولغا ، ولأنها لم تستطع دحر جيش روسيا دحراً كاملاً فإن ألمانيا لم تعتبر منتصرة تماماً . فالدولة تعتبر ظافرة بشرطين : أولهما احتلال الدولة المغلوبة ، وثانيهما إخماد حركة الجيش .



والمشركون في معركة أحد لم يستطيعوا احتلال المدينة ، كما لم يوفقوا إلى إفناء جيش محمد r . فمع أنهم شتتوا جيش المسلمين ، فإن فلوله عادت فتجمعت في اليوم الثاني ، فعندما عاد محمد إلى مدينه (كما سنذكر ) كان تحت سيادته جيش منظم .فعن وجهة نظر محارب متخصص - برأيي- لم يخسر المسلمون في معركة أحد ، إنما وقعوا في تجربة مفاجئة وحسب ، لأن جيش مكة لم يفن جيش المسلمين ، كما لم يحتل المدينة ))[9] .



ومما عزز معنويات المسلمين ، ودلل على قوة الجيش الإسلامي وتماسكه ، أن الرسول قام في اليوم التالي لمعركة أحد ، بحركة عسكرية بارعة طارد فيا جيش مكة إلى منطقة تعرف باسم ( حمراء الأسد ) إلا أن الجيش المكي آثر عدم الاشتباك مع الجيش الإسلامي والعودة الى مكة . . .

الحركات العسكرية في أعقاب أحد وقبل الخندق

و كان لغزوة أحد أثارها النفسية على الدعوة الإسلامية ، فبعد الفوز العسكري الباهر في بدر كانت نكسة أحد مريرة ، ولكنها لم تعزز وضع المكيين في صراعهم مع الرسول ، يقول غلوب باشا :



« أصابت هزيمة أحد الدعوة الإسلامية بما يشبه الجزر بعد المد الذي حققه نصر بدر ، ولما كان النصر في بدر قد عزي إلى نصره الله وعونه للمؤمنين فقد صعب على هؤلاء أن يفهموا لماذا ضنت العناية الإلهية عليهم بالنصرة في أحد. و توالت الآيات منزلات على النبي ، لتعينه في الحفاظ على الروح المعنوية القوية عند المسلمين . وسورة آل عمران في القرآن طافحة باللوم والتثريب على عبد الله بن أبي وأتباعه لتخاذلهم وبالوعد للمسلمين بالنصر النهائي والتأكيد لهم بأن الله أراد لهم الانكسار ليبتليهم ويمتحنهم )) [10] .

إجلاء يهود بني النضير

كانت العلاقة بين المسلمين واليهود متوترة انعدمت فيها الثقة وخاصة بعد إجلاء يهود بني قينقاع ، واستهانة يهود بنى النضير بالمسلمين بعد معركة أحد ، واهتزاز هيبة الرسول r وعزمهم على اغتياله وهو في عقر دارهم ، فكان أن اتخذ الرسول قراره الحاسم لتصفية أعداء الإسلام داخل المدينة . . .



وذهب المستشرقون في تأويل أسباب إجلاء الرسول يود بنى النضير شي المذاهب ، ومنها التشكيك بصحة رواية مؤامرتهم لاغتيال الرسول r .



« ويرى الدكتور إسرائيل ولغنسون مؤلف كتاب : « تاريخ اليهود في بلاد العرب » أن إنذار بنى النضير بوجوب الجلاء عن المدينة كان بمثابة انتقام منهم على عدم اشتراكهم في معركة أحد ، إذ أنها غزوة موجهة إلى مدينة يثرب ، فكان على بنى النضير أن يخرجوا للقاء العدو ، كما تقضى به شروط المعاهدة المعقودة بين المسلمين واليهود )) [11].

العمليات العسكرية ضد القبائل المعادية للإسلام

وإلى جانب عملية إجلاء يود بني النضير عن المدينة ، قام الرسول بسلسلة من العمليات العسكرية قاد بعضها بنفسه أو أنفذ سرايا يقودها صحابته كعمليات تأديبية ضد القبائل التي تحشدت لغزو المدينة . وكان أن بلغ في إحدى غزواته الطرف الشمال الغربي من الجزيرة العربية لضرب التحشدات المعادية في دومة الجندل ، لمنع انضمام قبائل الشمال إلى التحالف المعادي للإسلام .



وكان لهذه التحركات العسكرية أن وطدت دعائم الحكم الإسلامي في المدينة ، وقوت ساعد المسلمين ، وشلت حركة قريش التي تميزت في تلك المرحلة بالسلبية ، يقول غلوب باشا :



(( ولعل المفارقة العظيمة بين الجانبين في هذه السنوات من سنوات المعارك تبدو واضحة جلية فيما تميز به المسلمون من نشاط لا حدود له ، وما تميزت به قريش من سلبية وجمود . وظل المسلمون يقومون بغزوات وسرايا من هذا النوع ، من قاعدتهم في المدينة ضد القبائل البدوية الحليفة لقريش مستعينين فيها بحلفائهم من البدو . أما الأفراد الذين يظهرون عداء شديداً للمسلمين أو للنبي فكان مصيرهم القتل)) [12].



كان الرسول r يدرك أن معركة ما بين المسلمين والمشركين واقعة ولا مناص ، ولذلك كانت أعماله تهدف إلى لم إعطاء الثورة الإسلامية زخماً وقوة استعداداً للمستقبل ، وأضعاف لجبهة الأعداء ، يقول مونتجمرى وات :



(( وهكذا استطاع محمد في الفترة الواقعة بين موقعة أحد وحصار المدينة - وإن عجز عن منع المكيين من تكوين حلف ضده - أن يمنع كثيرا من القبائل من الانضمام إليهم ، وزادت القوى التي كانت في حوزته . ولم يكن يستطيع أن ينظر إلى الهجوم المهدد له بدون قلق ولكنه لم يفقد الأمل ))[13] .

موقعة الخندق أو الأحزاب

كانت الرسالة الإسلامية ظافرة دائماً ، رغم ما يعترض مسيرتها من صعوبات ونكسات ومؤامرات ومخاطر . . وكان أشدها وطأة يوم تآمر أطراف الأحزاب للقضاء على الإسلام في معركة الخندق ، وقوامها قريش ويهود النضير (ممن أجلوا عن المدينة ) وخيبر وقبائل البدو الغطفانية ، ناهيك بيهود الداخل بني قريظة ، الذين اتفقوا مع الأحزاب على ضرب الإسلام من الخلف ...



وتشير التقديرات الأولية إلى أن عدد الحلف الجديد يتراوح ما بين عشرة آلاف وأربعة وعشرين ألفا ، زجت كلها في المعركة الجديدة بهدف القضاء على الرسالة الإسلامية ...



وأمام هذا الخطر المحدق من الحشد الهائل ، اتخذ الرسول r قراره باتخاذ الإجراءات الدفاعية الكفيلة بحماية المدينة ، واستقر الرأي على حفر خندق لحماية القسم المكشوف من المدينة ، عملاً باقتراح سلمان الفارسي ، فبداء بتنفيذه فوراً ، واشترك سائر المسلمين بحفره يتقدمهم النبي r وقد تم فعلاً إنجازه في فترة ستة أيام قبل وصول الأحزاب إلى المدينة .



ويقيم ك . جيورجيو عالياً خطة الرسول في موقعة الخندق التي حازت إعجاب المفكرين والباحثين العسكريين ، بقوله :



((ولم تكن خطة محمد r الحربية هذه سبب إعجاب الناس العاديين وحسب ، بل مبعث إكبار من وجهة نظر رجال الحرب المتخصصين . إذ كيف استطاع محمد r استنباط هذه الخطة وإنجازها ، لأن النبوغ ليس في استنباط الخطة وحسب ، بل في تنفيذها أيضاً . فالذين يقيمون في منازلهم ويقرأون على صفحات الجرائد الخطط الحربية والعمليات العسكرية التي يقوم بها رجال ضد خصومهم لا يقدرون مدى العناء الذي يعانيه القائد في تنفيذ مثل هذه الخطط في ساحة المعركة . وقد كان حفر الخندق في الجزيرة لمنع هجوم جيش معاد جديداً ، يشبه « الفالانج » الذي خططه في معاركه السابقة من حيث الجدة والبراعة )) [14] .



وعملياً ، فإن الخندق الجديد حال دون اقتحام جيش العدو المدينة في هجوم كاسح ، واضطره إلى في ضرب الحصار عليها شهراً كاملاً دون . أن يتمكن من اختراق الخطوط الدفاعية الإسلامية ، يقول غلوب باشا محللاً :



(( ولم يكن حلفاء قريش من قبائل البادية يستسيغون طعم الحرب الثانية ، وسرعان ما أخذت المؤن تنضب والاحتكاك ينشب بين الأحزاب . وقد أثار الكثير منه رسل محمد الذين أخذوا يبذرون الخلافات سراً في صفوف المشركين ، و راحت إبل قريش وجيادها تنفق لنقص المرعى . ورغم أن أبا سفيان كان القائد العام للحملة اسمياً إلا أن الأحزاب اتبعت نظاماً غريباً للقيادة ، وهو إسناد أمرها في كل يوم إلى واحد من رؤسائهم وعلى الرغم من أن هذا النظام كان ضرورياً لتهدئة حوافز الغيرة والحسد بين مختلف القادة إلا أن مثل هذا الترتيب جعل أية عملية منظمة للحصار أمراً مستحيلاً )) [15] .



ويحلل الباحث الإنكليزي مونتجمري وات في كتابه : « محمد في المدينة » أهمية النصر الذي حققه الرسول بل بدبلوماسيته على أعدائه ، بقوله :



(( ولن نألو جهداً في تقدير أهمية هذا الانتصار الدبلوماسي لأن هجوم قريظة من الجنوب على مؤخرة المسلمين كان بمكانه القضاء على رسالة محمد . لقد دل تفسخ المحالفة على فشل المكيين فشلاً ذريعاً في عملهم ضد محمد . وأصبح المستقبل مكفهراً بالنسبة إليهم . لقد استخدموا أقصى جهودهم لإزاحته عن المدينة ، فبقي فيها أكثر نفوذاً مما مضى ، وذلك بسبب فشل المحالفة . كما ماتت تجارتهم مع سورية ، وفقدوا الكثير من مكانتهم . ولم يعودوا يأملون ، حتى لو انقطع محمد عن مجابهتهم ، في الاحتفاظ بثرواتهم ومكانتهم . وهو يستطيع أن يستخدم القوة المسلحة ضدهم ، ويحاول أبادتهم كما حاولوا أبادته . ومن الغريب أن بعض المكيين ، وهم الشعب الواقعي لم يأخذوا بالتساؤل عما إذا لم يكن من الأفضل قبول محمد وديانته ))[16] .



ومع الهزيمة العسكرية المرة التي أحاقت بقوى الأحزاب ظهر المسلمون قوة عسكرية لا يستهان بها ، وطفقت القبائل الوثنية تخشى جانبه . . وعملياً ، انتقل زمام المبادرة بعد معركة الخندق لأيدي المسلمين ، إذ أصبحوا منذ ذلك اليوم في موقع الهجوم ، تأكيداً لرؤية الرسول لمسيرة الصرع المستقبلية مع قريش ، حين قال صلوات الله عليه :



« لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ، ولكنكم تغزونهم » .











--------------------------------------------------------------------------------

[1] مصطفى طلاس : الرسول العربي و فن الحرب ، ص 135.



[2] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ص: 88-90.



[3] المصدر السابق ص 95.



[4] ك. جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 219-220.

[5] مونتجمري وات : محمد في المدينة ، ص 26.



[6] اسرائيل ولغنسون : تاريخ العرب و اليهود في بلاد العرب (نقلا عن كتاب محمود الدرة معارك العرب الكبرى ص 97).



[7] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 104



[8] ك. جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص254.



[9] المصدر السابق ، ص 267.



[10] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 123.



[11] نقلا عن كتاب محمود الدرة : معارك العرب الكبرى ، ص 122.



[12] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 124.



[13] منتجمري وات : محمد في المدينة، ص 53.



[14] ك. جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 289.





[15] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 129.



[16] مونتجمري وات : محمد في المدينة ، ص 58-59.

_____________________
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:49 pm

حروب الدعوة الإسلامية

المدينة قاعدة الثورة الإسلامية

كانت الهجرة إلى المدينة حدثاً تاريخياً عظيماً في تاريخ الجزيرة العربية ، مع قيام الثورة الإسلامية ، المحاطة بأعداء الداخل والخارج ، ناهيك برسوخ الدعوة الإسلامية التي اشتد ساعدها في قاعدتها الجديدة بعد أن كانت مطاردة في مكة ، ولذا ترتب عليها أن تحسب حسابها لمواجهة أعداء الإسلام ، لأنهم يخشون وجودها خشية تدفعهم للسعي للانقضاض عليها عند أول بارقة تسنح لهم ، ثم لأن الرسالة لم تكن مقصورة على مكة والمدينة ، وإنما لتنشر في جميع أرجاء بلاد العرب .. . وهذا ما يحدوها لأن تعد العدة لمواجهة طويلة مع أعداء حركة التوحيد ، وخاصة بعد أن أنزل الله آية الإذن بالقتال )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير( (الحج آية 39) . وهكذا كانت حروب الدعوة الإسلامية في عهد الرسول ، تزيل الحواجز القبلية وتسقط الوثنية ، فوحد العرب و تعلي راية وحدانية إلا في ربوعهم .

العمليات العسكرية السابقة على معركة بدر

إذا كانت معركة بدر أول مواجهة فعلية من المسلمين ومشركي قريش ، فقد جرت مع ذلك سلسلة من العمليات العسكرية التمهيدية قادها الرسول بنفسه أو أنفذها بقيادة رجال من صحابته وكانت حسب تعبير الباحث العسكري العماد مصطفى طلاس:



((أشبه بدوريات الاستطلاع القتالية التي تجري عادة قبل المعركة لتعرف جهاز الخصم الدفاعي وسبر نقاط القوة ونقاط الضعف فيه))[1]



وكانت هذه الحركات ضرورة في بدء تاريخ الثورة الإسلامية لدراسة طبيعة المنطقة ، ولإظهار قوة المسلمين ويقظتهم ضد تحركات الأعداء .



ويتحدث الباحث العسكري جان باغوت غلوب عن طيبعة الخطط السوقية ( الاستراتيجية ) التي اتبعها الرسول في صراعه مع قاعدة الشرك العربي : مكة في عهده ، قائلاً :



((وكانت الخطط السوقية التي اتبعها النبي بين عامي 623 و 630 هي عين الخطط السوقية التي اتبعها فيصل ولورنس في الحملة بين عامي 1916 و 1918 . فلقد احتفظ الأتراك في الحرب الكونية الأولى محاميات ضخمة في مكة والمدينة وكانت هذه الحاميات تعتمد في بقائها على قوافل الإبل بل على الخط الحديدي بين المدينة ودمشق ، وقد عزز الأمير فيصل ولورنس مواقعهما إلى الشمال من المدينة حيث كانا في وضع يمكنهما من قطع شريان حياتها مع سوريه .



وكان الغزو بالنسبة إلى العرب وسيلة طبيعية للخلاص من العوز . ولقد تولت القيام بالغزوات الصغيرة الأولى جماعات صغيرة من المهاجرين . ولم يشترك أهل المدينة في هذه المشاريع ، لكن أهل مكة والمدينة على السواء لم يكونوا قد ألفوا العمليات الحربية ، وهى العمليات التي يقضي فيها البدو الرحل أوقات فراغهم ، ولا تعرفها الجماعات التي تعمل في التجارة أو الزراعة . لكن أياً من الغزوات الأولى لم تحقق نجاحاً مذكورا ، فلقد كانت أنباء الحملة تصل إلى قريش قبل وقوعها ، بينما كانت الأنباء التي تصل إلى المسلمين إما متأخرة أو مفتقرة إلى الدقة .



وفي خريف عام 623 ميلادية مرت قافلة كبير ة تضم نحواً من ألف بعير محملة بالبضائع التي تملكها قريش ويتولى قيادتها أبو سفيان أحد كبار أعداء النبي في مكة قاصدة الشمال إلى غزة . وقد حاول المسلمون قطع الطريق عليها في ذهابها ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك .



ولكن بينما كان رجال مكة والمدينة يعيشون في هاتين المديتين كانت الصحراء الفسيحة المكشوفة مأهولة بقبائل متفرقة من البدو وتعيش على الرعي ، وبداً النبي يدرك أن مساعدة هؤلاء البدو ضرورية لنجاح حملاته الصحراوية ولذا فقد شرع وبصورة تدريجية يقيم علاقات معهم ولاسيما مع قبيلة جهينة التي كانت تقيم آنذاك كما تقيم اليوم بين المدينة والبحر )) [2] .

موقعة بدر

تعتبر موقعة بدر من أهم المواقع السرية في التاريخ العسكري الإسلامي لأنها المعركة الأولى التي خاضتها قوات الثورة الإسلامية ضد قوى الشرك التي تزيدها ثلاثة أضعاف ، وكانت ترمي إلى تصفية الحركة الإسلامية الفتية في المدينة ، حين لاقاها الرسول بقواته التي قدر عددها 313 رجلا ( ثلاثة وسبعون منهم من المهاجرين الذين تطالب مكة برؤوسهم والبقية من الأنصار ) عد قرية بدر الصغيرة القريبة من المدينة والواقعة على طريق القوافل بين مكة والشام ، وذلك في السابع عشر من رمضان السنة الثانية للهجرة .



وحين تقابل المعسكران الإسلامي والمكي ، لم يكن الطرفان في حالة نفسية واحدة ، كان المسلمون كتلة متراصة مضبطة تحفزها حمية دينية طاغية وروح عسكرية منظمة لأنها تحارب دفاعاً عن العقيدة والنفس والوجود . . .



بينما كان معسكر الشرك موزعاً في نوازعه فبعضهم أرادها حرباً ضروسأ تقضي على شعلة الإسلام لأنها شكل خطراً يهدد المجتمع الأرستقراطي القرشي ، كما أرادها آخرون تطميناً لمصالحهم التجارية المهددة ، على حين كان ثمة فريق لا يريد الحرب أصلاً مع أباء العمومة من المهاجرين ، يقول غلوب باشا في كتابه : " الفتوحات العربية الكبرى " :



(( وهكذا تقدمت قريش إلى المعركة وهى موزعة بين الإقبال والإحجام كما أن بنى زهرة أخوال النبي رفضوا القتال وعادوا إلى مكة . أما نفسية المسلمين فكانت على النقيض من ذلك تماماً ، فلقد كان في المهاجرون يائسين تخلوا عن كل ما يملكونه في مكة ولا يحملون إلا سيوفهم ، يضاف إلى هذا أن المسلمين تخلوا عن العصبيات القبلية والعائلية التي تربطهم بعد أن أكد لهم النبي أن المسلمين هم إخوانهم فقط . فالخوف من سفك دماء الأقرباء ، وهي النزعة التي كبحت جماح قريش ، وحدت من إقبالهم على المعركة والتي لا تزال مسيطرة على عقلية البدو من العرب حتى اليوم لم تكن معروفة عند المسلمين الأوائل ، الذين قيل إن بعضهم قتلواً آباءهم أو إخوانهم إذا كانوا من المشركين . يضاف إلى هذا أن تعودهم الوقوف في صفوف منتظمة خمس مرات في اليوم لأداء فريضة الصلاة مؤتمين بقائدهم قد أوحى إلى عقولهم الباطنة بشي ، من الانضباط ، ومن الروح العسكرية المنظمة. يضاف إلى هذا أن المهاجرين والأنصار كانوا تحت تأثير حمية دينية عارمة وهم يشهدون قائدهم محمداً بين ظهرانيهم يشترك معهم في القتال )) [3].

عبقرية الرسول العسكرية في ، بدر

هذا ، وقد اعترف بعض المستشرقين وخاصة الباحثين العسكريين الغربيين بعبقرية محمد الرسول العسكرية ، تقويماً منهم لخطته العسكرية حين أصدر أمره للمسلمين بأن يحاربوا حرباً جماعية والابتعاد عن المبارزات الفردية ، فالمعركة هنا ليست لإظهار بطولة الأفراد ومهاراتهم القتالية ، وإنما في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا . . . يتحدث المستشرق والباحث العسكري الروماني جيورجيو عن خطة الرسول البارعة ، بقوله :



((وبعد ذلك شرح النبي r خطته الحربية للمسلمين ، وهي خطة ابتدعها فليب أبو الإسكندر المكدوني قبل ألف سنة تقريبا وتدعى باليونانية (فالانثر ، ferlange) وهي عبارة عن اصطفاف الجنود إلى جانب بعضهم بعضاً وتلتصق نهاية الصف الأول في أول الصف الثاني ، وهكذا حتى يتكون من المجموع شكل هندسي كالمثلث أو المربع أو الداري . ويقف الجميع بهذه الأشكال بمواجهة العدو، في هين تكون ظهورهم نحو الداخل . وبهذا الشكل لا يقدر العدو على مهاجمتهم من الخلف ، لأنه حيثما اتجه قابله الجنود مستعدين .هذا (التكتيك العسكري) هو الذي يدعى باليونانية ( فالانثر) لهذا سميت وحداتهم العسكرية اليونانية قديماً بهذا الاسم . وقد اتبع محمد r هذه الخطة لأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية . وفي معركة بدر بالذات . هذه الخطة ، إضافة إلى شجاعة المسلمين . كانت سبب نصرهم في هذه المعركة .



وقد رتبت ( فلانثرات ) المسلمين في ذلك اليوم بشكل مثلث . ارتفع فيه ثلاث رايات إسلامية في رؤوس المثلث وقد ابرز محمد r عبقريته العسكرية في تنظيمه هذا المثلث واستحكام كل جندي في مكانه واستقباله العدو ، من غير استدباره )) [4] .



وأسفرت المعركة عن فوز ساحق للمسلمين في معركة لم تدم أكثر من ساعة ، وهزيمة منكرة للجيش المكي الذي فقد فيها قادة قريش وصناديدها فكانت ضربة قاصمة لمعسكر الشرك . .

سلسلة العمليات العسكرية ما بين بدر و احد

كان الانتصار الكبير الذي حققته القوى الإسلامية على مشركي مكة في بدر ، فاتحة مرحلة جديدة أساسية في التاريخ الإسلامي عموماً ، والتاريخ العسكري خصوصاً ، مع ارتفاع الروح المعنوية لدى المسلمين ، التي عمل الرسول على إبقائها متقدة لإدراكه ألاً مناص من مواجهة مقبلة مع القرشيين الذين سيعيدون الكرة لمهاجمة المسلمين في المدينة ، ويحلل المفكر مونتجمري وات هذه المسألة بقوله :



(( أدرك محمد ، بعد انتصاره في بدر أنه كتب عليه (القتال الشامل) ضد المكيين ، إذ أن ازدهارهم متعلق بمكانتهم ، وكان عليهم أن يستعيدوا ما فقدوه في بدر ، حتى يحافظوا على وضعهم والقضاء على سيطرة محمد على طريق الشمال . فلم يكن محمد ينتظر إذاً من المكيين سوى ازدياد حدة النضال حتى أنه كرس كل قواه لتقوية نفسه وإضعاف أعدائه . وكانت أخبار بدر ومشاهدة الغيمة قد أدتا إلى ازدياد قوة محمد ، وأصبح أهل المدينة أكثر رغبة في الاشتراك بغزواته))[5] .

إجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة

لعل أبرز العمليات التي قام بها الرسول في هذه المرحلة إجلاء يهود قيقاع عن المدينة في السنة الثانية للهجرة ، حين أخذوا يلعبون دور "الثورة المضادة" خلف صفوف المسلمين والطابور الخامس للعدو ، ويتحدث المستشرق إسرائيل ولغنسون في كتابه (تاريخ العرب واليهود في بلاد العرب) عن انعدام الثقة بين الطرفين بقوله :



(( وقد نجم عن هذا النزاع أزمة سياسية جعلت تشتد يوماً بعد يوم ، تأكد عندها لمحمد استحالة تحقيق الفكرة التي كان يرمي إليها من التأليف بين قلوب اليهود والعرب وإيجاد أمة مؤلفة من جميع عناصر يثرب . وكان لابد من عمل حاسم إزاء بني قينقاع ، وهم يسكنون داخل المدينة في حي واحد من أحياء العرب فتطهر المدينة وأحياء الأنصار من غير المسلمين )) [6] .



وكان لهذه العملية آثارها البعيدة ، لتأكيد الوحدة السياسية للمدينة ، وانتزع السيادة المطلقة عليها ، وجعلها حصراً في أيادي المسلمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:48 pm

من الهجرة إلى وفاته r

الفصل الأول

الهجرة و إقامة الدولة الإسلامية الأولى

الهجرة إلى المدينة



مع العام الثالث عشر للبعثة الإسلامية ، حدثت الهجرة النبوية التي كانت مبدءاً للتاريخ الإسلامي ، من مكة - عاصمة الشرك - إلى المدينة - قاعدة الإسلام الأولى - يقول توماس كارليل :



(( ومن هذه الهجرة يبتدىء التاريخ فى المشرق ، والسنة الأولى من الهجرة توافق 622 ميلادية ، وهى السنة الخامسة والخمسون من عمر محمد ، فترون أنه كان قد أصبح شيخاً كبيراً ، وكان أصحابه يموتون واحداً بعد واحد ويخلون أمامه مسلكاً وعراً ، وسبيلاً قفراً وخطة نكراة موحشة ، فإذا هو لم يجد من ذات نفسه مشجعاً ولامحركاً ، ويفجر بعزمه ينبوع أمل بين جنبيه ، فهيات أن يجد بارقات الأمل فيما يحدق به من عوابس الخطوب ويحيط به من كالحات المحن والملمات ، وهكذا شأن كل انسان في مثل هذه الأحوال )) [1] .

الدلائل الروحية للهجوة



ولقد حملت الهجرة معان عدة ، فهى هجرة الشرك وخلاص المسلمين المهددين بفتنتهم عن دينهم ، بسبب الحصار القرشي العنيف ، واضطهاد ضعفاء المسلمين ، كما حفلت بدلائل ايمانية عميقة ، قاربت المعجزات حين اختباً الرسول عن أعين مطارديه هو وأبو بكر في الغار الذي نسجت العنبوت على فمه نسجها وباض الحمام على مدخله ....



وتحدث المستشرقين الأمريكي ماكس و( 1795 -1686 ) في كتابه : « عظماء الشرق » عئ هجرة الرسول r ودلائل النبوة والقوة التي ظهرت في تلك المرحلة التي مثلت منعطفاً تاريخياً عظيماً في سيرة رسول الله وتطوراً نوعياً في مسار الدعوة الإسلامية ، يقول ماكس :



(( لقد نفذت روح الإسلام من محمد رسول الله إلى المسلمين ، إلى الهداة والصالحين ، وإن هذه الروح القوية حدت بالنبي إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ، بينها كان أعداؤه من المشركين يجدون في البحث عنه ليؤذوه بل ليذيقوه ريب المنون ، ومن الغريب أن أعداء النبي لم يقنعوا أنفسهم بتركه مكة بل تعقبوه في هجرته ، وهناك ضربوا على منزله سياجاً من الحيطة لأجل القبض عليه ، ولكن روح الإسلام الدفينة في أعماق الهمة ، ألهمته أن يتناول قبضة من تراب فتناولها وربى بها عليم فأخذتهم سنة من النوم تمكن خلالها النبي من النجاة منهم إلى الصحراء حيث اختفى في غار هناك ، لا تقل إن اختفاءه في الغار يجول دون هلاكه وحتفه ، ولكن الإسلام وما في ثناياه من روحانية وقوة ، جعل الحمام يبيض على باب الغار ، ولما أفاق أعداؤه من غشيانهم تتبعوا أثره إلى الغار ، وأخذتهم هواجس الظن ، لعلمهم بأن النبي لا يمكن بأي حال أن يكون في الغار، فمن يرد أن يؤمن بوحدانية الله ، فعليه أن يشاهد بسهولة يد الله المحركة للكائنات من غير أن تبصرها العين المجردة وخاصة عندما أحيطت حياة النبى من يد العدوان برعاية الطير الذي اندفع إلى حماية محمد بيد الإله الخافية عن الأبصار)) [2] .

الدلائل الايمانية للهجرة

لا مرية فى أن الهجرة الإسلامية من مكة إلى يثرب تمثل مرحلة من مراحل الصراع الدينى السياسي الدائر في الجزيرة العربية ، كما تتضمن دلائل إيمانية بخروج المسلمين من عهد الجاهلية و تشكيل بداية التاريخ الإسلامي ، يقول المستشرق الفرنس مارسيل بوازار في كتابه «انساية الإسلام » :



(( وما ان شعر محمد بالخطر حتى أوعز لفئة قليلة ممن آمنوا بدعوته ، وكانوا مهددين بشكل خاص ، على الهجرة إلى الحبشة . ثم ما لبث أن نظم هجرة أتباعه بالتدريج إلى ثرب التي عرفت فيما بعد باسم ( المدينة ) . وائتمر المكيون لقتل النبي ، وعلم بالأمر ، وتمكن من النجاة بشبه معجزة بمساعاة شجاعة من ابن عمه علي ، كما تقول كتب السيرة . وفي المدينة استقبل محمد بالتهليل في شهر تموز عام 622م ، وكانت « الهجرة » التي يحدد بها المسلمون مطلع سنتهم ، والتي تعتبر بداية التاريخ الإسلامي . وتعني اللفظة حرفياً ترك البلاد الى أخرى ، والمنفى ، والنجاة بالنفس . أما الدين فقد أضفى عليها معنى خاصاً هو الخلاص من الجهل ، ورفض الشر ، واطراح الكفر ، وبكلمة تكون الهجرة فعل ايمان . ومن المفيد التذكير بأن الهجرة (ابتعاد طوعى وإن يكن محدداً بأسباب لا إرادية) يتجدد بلا انقطاع اذا حدث اذلال أو اضطهاد . وعلى المسلم أن ( يهاجر اذا اقتضى الأمر ليجاهد في سبيل الله حتى يزول كل ظلم ))[3] .

معالم الدولة الاسلامية الاولى

ومع وصول الرسول إلى المدينة عام 622 بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الحركة الإسلامية الفتية ، هي مرحلة كانت ما بين عهدي الجاهلية والإسلام . وأخذت تتبلور فيها معالم الدولة الإسلامية الأولى ، المبنية على قاعدة الإخاء الإسلامى ما بين الأنصار ( الأوس والخزرج ) والمهاجرين المكيين وأسس الدستور الإسلامي الجديد الذي نظم العلاقات ما بين قوى المدينة ، المسلمين والقبائل التي لا تدين بالإسلام واليهود ، فكان التعايش بين مختلف الطوائف هو مدى هذا الدستور ، والإخاء لحمته . . . دستور المدينة ، الذي نضمن تنظيم العلاقات ما بين المسلمين من جهة ، وأصحاب اذاهب الأخرى من جهة أخرى ، في إطار من الحرية الدينية ، يقول المستشرق الروماني جيورجيو :



(( وقد حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بنداً ، كلها من رأي رسول الله . خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى ، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان . وقد دون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية ، ولهم أن يقيموا شعاثرهم حسب رغبتهم ، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء . وضع هذا الدستور في السنة الاؤلى للهجرة ، أى عام 623م . ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده ))[4] .



وحقق المجتمع الديني في ظل الدستور الجديد نقلة نوعية ، وثورة اجتماعية ، اذ غدت الأمة الإسلامية هي البديل العملي للعصبية القبلية ، والإخاء والمساواة عوضاً عن طبيعة العلاقات الاجتماعية الجائرة ... وأخذ بالسطوع نجم الرسول r الذى أصبح عملياً الحاكم السياسي للمدينة ، فكان الداعية والنبى والحاكا والقاثد العسكرى وأصبحت سيرة حياته تاريخاً للحركة الإسلامية .

عوامل انتشار الدعوة الاسلامية

كانت المدينة قبل الهجرة تعانى اضطرابات داخلية ، ومشاكل اقصادية وتمور داخلها تيارات سياسية وفكرية شتى ، ناهيك بما كانت تعيش من صراعات قبلية ، هذا ويتحدث الباحث الإنكليزي غلوب باشا عن واقعها السكانى وأحوالها في تلك المرحلة بقوله :



(( كانت المدينة مأهولة عندما هاجر اليها النبي بقبائل عدة ، منها العربية ومنها اليهودية. ( أرى من الأسهل التمييز بينها على هذا النحو ، و ان كان من يدعون باليود قد لا يخرجون عن كونهم عربأ تحولوا الى اليودية ) . وكان اليهود ينقسمون الى ثلاث قبائل تعمل اثتان منها في الزراعة و تعيش على زراعة النخيل والحبوب ، أما الثالثة فتضم فنيين يعملون في صياغة الذهب والفضة وصناعة الأسلحة .أما العرب فكانوا قبيلتين : الأوس والخزرج ، ولم تكن قد انقضت أربع سنوات على توقف الحرب بينهما ليحل محلها السلام ، وليصبح للقبيلتين ريئس واحد هو عبد الله بن أبي يتولى قيادتهم وزعامتهم معاً )) [5] .

التفوق الروحي و الزمني للرسول

كل هذه العوامل مجتمعة ساعدت على انتشار الإسلام في يثرب ، ومكنت الرسول حين بلوغها إلى تحويلها قاعدة انطلاق لنشر الدعوة الإسلامية ، ومركزاً للدولة الإسلامية الأول مما أكسب الرسول التفوق الروحي والزمني ، ومنح الإسلام عزة ومنعة . يقول المستشرق الهولندي فلوتن يان ( 1807- 1879 ) صاحب الدراسات العديدة والجادة في كتابه : " الفصول ":



(( إن محمداً لم يلبث أن أصبح له تفوق روحي وزمني بعد سنين قلائل من الجهاد والاضطهاد ، كما يدل على ذلك غير آية من القرآن ، وذلك بتحول أهل المدينة إلى الإسلام بفضل ذلك النفوذ الذي كان يتمتع به الرسول . وغدا الإسلام دينا قويا ما لبث أن انتشر بين الشعوب عن طريق الوعد والوعيد )) [6] .

أعداء الإسلام في المدينة

وكان أن واجهت الرسالة الإسلامية صعوبات مع قيام الدولة الإسلامية الأولى ... ممن لم يعجبهم الواقع الديني الاجتماعي السياسي الجديد ، فشكلت القوى التي عملت بالسر أو بالعلن على تخريب الإسلام من الداخل والإيقاع بين المسلمين ، وقد تشكلت من ركائز ثلاث :



أولاً : القبائل العربية التى ما زالت محافظة على وثنيتها ، و تلتقي مع قريش في اتجاهاتها الدينية ومصالحها الاقتصادية .



ثانياً : اليهود بقبائلهم وتجمعاتهم السكنية الثلاثة ( قينقاع وقريظة والنضير ) وذلك حين شعروا بخطر الدعوة الإسلامية التي عملت على تقويض نفوذهم الديني ومكانتهم الاقتصادية ، فكانوا أن عمدوا الى إثارة الفتن بين المسلمين وحبك الدسائس ضدهم، وهذا ما قاد الرسول في مرحلة تالية إلى تقويض وجودهم في المدينة ، اذ أجلى القبيلتين الأوليين ( قينقاع والنضير ) وأنفذ حكم السيف في القوة الثالثة ( قريظة ) حين تأكد من تآمرها و تواطئها مع قريش ، والحلف العادى للرسول ( في معركة الخندق ).



ثالثاً : المنافقون ، وهم الحركة السياسية التي تزعمها عبد الله بن أبي ، التي أعلن أفرادها اسلامهم ظاهراً ، لكنهم ظلوا يكيدون للإسلام وللمسلمين ويحاولون الإيقاع بين الأنصار ( مسلمي المدينة ، وهو الاسم الذي أطلقه الرسول على قبيلتي الأوس والخزرج اللتين نصرتا الإسلام ) والمهاجرين ( مسلمي مكة ) الذين هاجروا الى المدينة .

بدء الصراع مع قرشيي مكة



الا أن أعداء الداخل لم يكونوا هم الخطر الوحيد الذي يهدد الإسلام ودولته . . . لقد كان العدو الخارجي - أي مشركو قريش- هم الخصم الأساسي ، الذين عملوا على كسب أعداء الداخل ، واستخدموا مختلف الأساليب في الضغط السياسي والاقتصادي والتهديد العسكري ، كما لجؤوا إلى أسلوب الفتنة التى كان هدفها الوقيعة بين المسلمين ويهود المدينة ، غير أن جميع وسائل الضغط والترهيب لم تجد فتيلا» لاسيما وأن مكانة الرسول والتفاف القوى الإسلامية حوله أدخلت الذعر في قلوب أعداء الداخل ...

الصراع الاقتصادي

وكان السهم الخطير الذي لعبته مكة ، هو الحصار الاقتصادي الذي ضربته على المدينة ، وكان له أثره في تعجيل الصراع ما بين قوتي الشرك والإسلام ، رغم أن الرسول الكريم كان يهدف الى نشر الدعوة بالوسائل السلمية ، إلا أن موقف العدو الذى يسيء إلى القضاء على الدعوة في مهدها ، بخنقها اقتصادياً فرضت على المسلمين المواجهة ، يقول توماس كارليل :



(( وكانت نية محمد حتى الآن أن يشهر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة فقط ، فلما وجد أن القوم الظالمين لم يكتفوا برفض رسالته السماوية وعدم الإصغاء إلى صوت ضميره وصيحة لبه ، حتى أرادوا أن يسكتوه فلا ينطق بالرسالة - عزم ابن الصحراء على أن يدافع عن نفسه دفاع رجل ، ثم دفاع عربي ، ولسان حاله يقول ( أما وقد أبت قريش الا الحرب فلينظروا أى فتيان هيجاء نحن )- وحقا رأى أن أولئك القوم صموا آذانهم عن كلمة الحق وشريعة الصدق ، وأبوا إلا التمادي في ضلالهم يستبيعون الحريم ويهتكون الحرمات ويسلبون وينهبون ويقتلون النفس التى حرم الله ، ويأتون كل اثم ومنكر ، وقد جاءهم محمد من طريق الرفق والأناة فأبوا لم لا عتواً وطغياناً ، فليجعل الأمر اذن إلى الحسام المهند والوشيج المقوم ، الى كل مسرودة حصداء وسابحة جرداء ، وكذلك قضى محمد بقية عمره وهي عشر سنين اخرى في حرب و جهاد لم يسترح غمضة عين و لا مدر فواق و كانت النتيجة ما تعلمون )) [7].



ومن هذا المنطلق الفكرى يتحدث المستشرق الفرنسي جان بروا في كتابه : « محمد نابليون السماء » بقولة :



(( إن إبلاغ الرسالة الى العالم هو الهدف الأول والأخير للنبي محمد ، ولم تكن مشاغل الأسرة والحياة لتحول بينه وبين أدائها أبداً ، وإنك إذا نظرت الى عنف قريش ومؤامراتها الدموية وربط جأثسها على اغتياله مراراً ، بل اذا نظرت الى كل القبائل العرية حينذاك ، ألفيت الفزو جل عملها ، ولم يكن النبي إلى ذلك الوقت - وإن كثر حوله الرجال - قد - اذن له في النضال ودفع العدوان بالعدوان ، ولكن بعد كل تلك الاعتداءات جاء الوحي الإلهى يبيح له حرب المعتدين } أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق لم لا أن يقولوا ربنا الله { (22 /39)

( الحج ) وجاء أيضاً } وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يجب المعتدين { (2 / 190 ) ))

الحصار الاقتصاى المضاد

وكان طبيعياً أن يواجه المسلمون المشركين بصراع اقصادى مضاد ، فكان أن أنفذ الرسول عدداً من السرايا العسكرية ، التى شكلت خطراً على القوافل التجارية القرشية . . . كما عقد عدداً من المعاهدات مع القبائل العربية ، التى شكلت رديفاً في صراعه مع قادة مكة .



وهذا ، ما دفع المستشرقين لأن ينظروا الى الرسول كنبي ورجل دولة وقائد عسكرى حين قرن الدين بالسيف والدعوة بالقوة ، يقول المستشرق اً. أفريمان في كتابه : " تاريخ العرب ":



(( وجد النبي – الذي لا كرامة له في عشيرته- الولاء والإجلال في مدينة الهجرة. وأخذ النبى يظهر تدريجياً في صورة جديدة . فالنبي المضطهد يتحول الآن الى محارب ظافر . واذا فشلت : نذر النبي وبشائره في اقناع قريش فإن سلطان الفاتح سيرغمهم على الاقتناح )) [8].

الاذان بالقتال و بدء العمليات العسكرية

وما إن زلت الآية القرآية التي تأذن للمسلمين بقتال أهل الشرك حتى أدرك المسلمون أن عليهم واجباً مقدماً . هو نشر الرسالة سلماً وحرباً ، ومجابهة أعداء الإسلام عسكرياً ، لأن هؤلاء يهدفون أساساً إلى القضاء على الدولة الإسلامية الأولى . . .



فكان أن تحول المسلمون إلى جيئ الثورة الإسلامية وغدت المدينة قاعدة الانطلاق للعمليات العسكرية الموجهة ضد مكة ، وكانت فاتحة لتاريخ الإسلام العسكري ، وقادت إلى أول مواجهة ما بين الطرفين فى موقعة بدر . . .





































--------------------------------------------------------------------------------

[1] توماس كارليل : الابطال ، ص 75.

[2] ماكس : عظماء من الشرق ، ص 93.



[3] مارسيل بوازار : انسانية الاسلام ، ص 44-45.



[4] ك. جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 192.

[5] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 83-84.

[6] فلوتن يان : الفصول ، ص 103.

[7] توماس كارليل : الابطال ، ص 75 – 76.



[8] ا. فريمان : تاريخ العرب (نقلا عن كتاب الفتوحات العربية الكبرى ص 79).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:47 pm

طرد الرسول من قريش



ولكن رغم تلك الصعوبات التي واجهها الرسول r في مسيرته الكفاحية لنشر الدعوة الإسلامية ، لم يتوقف هنيهة عن متابعة تبليغ رسالات ربه ، وما كانت قريش لتتوقف بدورها عن مهاجمته ومحاربته . . . وكان أخطر قرار اتخذته بعد تسلم عمه أبي لهب زعامة بنى هاشم خلفاً لأخيه أبي طالب هو طرد الرسول ، يقول المستشرق الروماني جيورجيو :



(( لقد طرد محمد r في المرحلة الأولى من قبل قريش ، في حين أن هاشماً لم تطرده ، إذ حماه أبو طالب ، وخرج معه من مكة إلى الشعب ، ولكن قبيلة هاشم هذه المرة هي التي أقوت طرده . ومنذ الساعة التي صمم فيا رئيس قبيلة هاشم على طرد محمد r تبدلت شخصية محمد r نبي الإسلام ، وغدت أشبه برجال الثورة الفرنسية . فالذين يسيرون على مبدأ مخالفة القوانين لا يحميهم القانون . وساءت أوضاع محمد r بعد طرده بشكل يفوق من خرج عن حماية القانون أيام الثورة الفرنسية ، لأن من يقتل شخصاً فرنسياً تعاقبه محكمة الثورة ، وهي وحدها التي تحاكم هؤلاء الأشخاص وتحكمهم . أما في مكة فإن من طرد من قبيلته هدر دمه ،وبإمكان أي امرىه أن يقتله ، أو يبيعه ، أو يستعبده . حتى إن أحرقه أحدهم حياً لا يعاقب حارقه . لان المطرود من القبيلة يغدو شيئاً لا قيمة له ،وبالتالي غير لائق لان يخضع أحد للمحاكمة بسببه ، فهو من طبقة لا تعتبر من ذوي الحياة )) [20] .

الإسراء و المعراج



في خضم النضال البطولي الذي خاضه الرسول r لنشر الدعوة الإسلامية ، وفي تلك الظروف الصعبة من محاربة كفار قريش إياه ، والحصار المفروض على المسلمين كان الحدث العظيم : الإسراء والمعراج الذي أوقع بلبلة فكرية في صفوف المسلمين وزاد في تعنت المشركين ، أي إسراء الرسول r إلى بيت المقدس ، وعروجه إلى السماوات السبع وبلوغه سدرة المنتهى ...



هذا و قد ساهمت الدراسات الاستشراقية في بحث مسألة الإسراء والمعراج من زاويتهما الإيمانية والعلمية وإعادة طرح مسألة طالما أثارها المسلمون أنفسهم من قبل - أي كيفية الإسراء وهل أسري به r بالروح والجسد معاً أم بالروح وحده - . . .



وتقترب نظرة المستشرقين من موقف عقلانيي المسلمين الذين يعتقدون بأن الإسراء والمعراج كانا بالروح فقط ، اعتماداً على حديث عائشة التي ترى أن الإسراء كان ضربا من الرؤيا الصادقة .



يقول المستشرق الفرنسي آتيين دينيه في كتابه : "محمد رسول الله " :



(( أثار الإسراء والمعراج كثيراً من المناقشات بين علماء الإسلام ، فبعضهم يرى أن ذلك معجزة حصلت فعلاً بالروح والجسد في اليقظة ، بينما يعتمد الآخرون على أصح الآثار ، من بينها حديث عائشة زوج الرسول المفضلة وبنت أبي بكر ، ويرون أن الروح وحدها هي التي أسري بها وعرج إلى السماء ، وليس ذلك إلا رؤيا صادقة ، كما كان يحصل كثيرا للرسول أثناء نومه )) [21] .



هذا ، ولقد أدلى الباحث الروماني ك . جيورجيو برأيه بهذه المسألة ،0 فهو رغم اعتقاده أن إسراء الرسول ومعراجه قد تما بالروح فقط ، وهذا ليس بغريب على أصحاب الرؤى العظيمة الصادقة ، لكنه يؤكد احترامه للعقيدة الإسلامية حتى وإن ذهب بعض مفكريها إلى القول بالإسراء بالروح والجسد معاً في تلك الرحلة الإعجازية ، التي تفوق كل خيال ، وتتجاوز موضوعية العلوم الفيزيائية ، فيقول :



)علم الفيزياء ، وإن لم يقبل هذا الموضوع ، فإنني أحترم العقيدة الإسلامية ، وأقبل كل ما جاءت به من الناحية الدينية . ولدينا نحن المسيحيين اعتقادات دينية لا يقبل بها علم الفيزياء كذلك ، مع ذلك فنحن نقبل بها ، ونعتبرها من صلب معتقداتنا ))[22] .



وكان لمسألة الإسراء والمعراج وقعها الخطير في مسار الدعوة الإسلامية إذ قوبلت بسخرية قريش وهزئها ، بينما أحدثت بلبلة في الصف الإسلامي الذي كاد أن ينشق على نفسه بين مصدق و مشكك لولا وقفة أل بكر الحازمة التي صدت تيار البلبلة الفكرية التي كادت أن تحدث شرخاً وردة في الصف الإسلامي . . .

اتصال الرسول بقبائل العرب وخروجه إلى الطائف



كان للحصار الذي فرضته قريش على المسلمين وفقدان الرسول r حماية بنى هاشم إياه ، أن جعلته يسارع إلى التفكير في ضرورة نشر الرسالة الإسلامية خارج حدود مكة . . . إذ أن رسالة الإسلام لم تكن البتة مقصورة على قبيلة قريش المكية ، بل كانت رسالة لللانسانية عامة . . . وإذا كانت الظروف الموضوعية فرضت على الرسول حين انتقال الرسالة من السرية إلى العلنية أن يبدأ بالأقرب فالأقرب ، ويحصر جل نشاطه في مكة لتكون قاعدة ينطلق الإسلام منها إلى باقي مناطق جزيرة العرب . . . فقد رأى الرسول الآن مع الحصار الجديد أن ينشط لكسب القبائل العربية .



و تأكيداً على هوية الرسالة الشمولية ، تابع الرسول نشر الدعوة بين قبائل العرب في مواسم الحج ، كما خرج إلى الطائف عارضاً الإسلام على سادات ثقيف لكنه لم يلق في محاولاته لجميعاً إلا الإعراض والسخرية والإيذاء...



لكن ، رغم كل هذا وذاك تابع الاتصال بالقبائل العربية في مواسم الحج إيماناً منه بأن الله جاعل له مخرجاً وأنه لا بد مظهر دين الحق وناصر نبيه.

بيعة العقبة :



وفي العام العاشر للهجرة ( 620 م ) حدث تحول في حياة الرسول r وفي مسرة الدعوة الإسلامية معاً ، حين التقى صلوات الله عليه برهط من الخزرج قادمين من يثرب (المدينة) فبايعوه على الإسلام عند العقبة - موقع بين مكة والمدينة - أثناء قدومهم لأداء فريضة الحج ، وفي العام التالي بايعه اثنا عشر رجلاً من الأوس والخزرج « الذين نشطوا في نشر الرسالة الإسلامية في يثرب ... ولما كان العام الثالث حدثت بيعة العقبة الثانية التي عرفت باسم بيعة الحرب حين بايعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان من الأوس والخزرج (الأنصار) .



وحين أدركت قريش نبأً الحلف الجديد المعقود بين محمد r وأنصار المدينة ، خشيت ازدياد نفوذه واستشراء خط الدعوة الإسلامية ، إذ غدا ذا منعة من قبيلتي الأوس والخزرج ، لذا شرعوا يضيقون الخناق على مسلمي مكة ، ومكروا تآمراً لإحكام خطة يغتالون بها الرسول و بالتالي القضاء على الإسلام قبل أن يفلت من أيديهم زمام المبادرة .

طلائع الهجرة الإسلامية



ومع اشتداد الحملة القرشية المسعورة أذن الرسول r لأتباعه بالهجرة إلى يثوب على شكل جماعات صغيرة وبسرية متناهية ، وحين لاحظ القرشيون حركة الهجرة السرية عمدوا إلى إيقافها ، ولكن أشد ما كان يقض مضاجعهم ويتوجسون منه الشر المستطير هو إفلات الرسول من قبضتم ، لأن معنى ذلك الخطر الداهم على الزعامة القرشية خاصة ، إذا ما فكر عليه الصلاة و الإسلام بتشكيل جيش هدفه الكر على مكة و انتزاعها من أيديهم ...



ويحلل الباحث الإنكليزي غلوب باشا الوضع العام الناشيء عن الهجرة الإسلامية من مكة إلى يثرب لتلك الفئة التي غالبيتها من الفقراء والمسحوقين والتي اضطرت أن تقطع 250 ميلاً ميلا على الأقدام في ظروف قاسية جداً ، ومن ثم يخلص إلى القول :



(( ولم تنقض سبعة أسابيع أو ثمانية حتى كان جميع المسلمين قد هاجروا من مكة باستثناء النبي نفسه وابن عمه علي بن أبى طالب وولده بالتبني زيد بن حارثة ورفيقه الأمين أبو بكر الصديق . وارتد عن الإسلام نفر خوفاً من أهلهم بينما حال هؤلاء دون هجرة نفر آخر ،وجدير بنا أن نعترف هنا بأن محمداً أبدى جرأة منقطعة النظير ببقائه في مكة حيث لم يعد يحظى بحماية عمه أبو طالب كبير بني هاشم .



وأدركت قريش خطورة ما وقع من تطور وهالهم أن المسلمين أخذوا يقيمون الآن في يثرب مجتمعاً متلاحم الوشائج خارجاً على نفوذهم وبعيداً عن متناول أيديهم ، وأنهم شرعوا يكسبون أنصاراً إلى جانبهم من أبناء القبائل الأخرى الذين قد يتحولون إلى معاداة قريش . واجتمع كبار القوم في دار الندوة يتشاورون في أمر محمد ورأى بعضهم أن محمداً هو سبب كل ما يواجهونه من متاعب ، وان من الخير لهم لو تخلصوا منه في أسرع وقت ممكن قبل أن يتمكن من اللحاق بأصحابه في يثرب )) [23].

خطة قريش لهدر دم الرسول



وإزاء ذلك ، اتخذ زعماء قريش قراراً خطيراً إثر اجتماعهم في دار الندوة ، ويقض بقتل الرسول r بشكل جماعي على أن تشرك بذلك البطون العشرة المنتمية إلى قبيلة قريش ، وهدر دمه بين هذه القبائل نزولاً عند رأي أبي جهل ، يتحدث المستشرق الفرنسي آتيين دينيه عن إقرار زعماء فريش تلك الخطةً الغادرة بقوله :



(( أقرت الجماعة الغادرة هذا الرأي ، واعتقد المشركون - منذ إقراره - أنهم قد تخلصوا من عدوهم ، غير أن المشيئة الإلهية أخلفت ظنهم ، فقد أرسل الله جبريل إلى رسوله يعرفه بمؤامرة دار الندوة ، ويأمره بالهجرة ويطلب إليه أن لا يبيت على فراشه الذي كان يبيت عليه.



كان بمنزل الرسول أمانات وضعها عنده المشركون لثقتهم في طهارته ، فأبت نفسه الهجرة قبل رد الأمانات إلى أهلها ، لذلك أتى بعلي المخلص الوفي ، وكلفه بردها ، بعد أن أخبره بنبأ دار الندوة ، وقال له : « نم على فراشي، و تسج ببردى هذا الخضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم »))[24] .



وبحث المستشرق الفرنسي سيديو في كتابه : " خلاصة تاريخ العرب " مسألة خلاص النبي محاطاً بالعناية الإلهية ، من مكيدة القرشيين ، بقوله :



(( فدفع الله شرهم ، وهو أولى أن يحفظ نبيه القائم بالدعوة له ، وأحق أن يجعل كيدهم في نحورهم وما زال آخذاً بيمينه ، حتى غني له الزمن ، وصفق له الدهر )) [25] .



وكانت الهجرة الإسلامية إيذاناً بعهد جديد ، ومرحلة عتيدة في مسيرة الدعوة الإسلامية وجاءت تأكيداً على الهوية الشمولية لدعوة التي لم تكن قاصرة على قريش وإنما جاءت لتغير واقع المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية ، و صهرها في بوتقة الإسلام ، ومن ثم لتؤكد أنها رسالة عالمية للناس كافة .





--------------------------------------------------------------------------------

[1] آتيين دينه : محمد رسول الله ، ص117-118.

[2] توماس كارليل : الابطال ، ص72-73.

[3] ميخائيل ايماري : تاريخ المسلمين.



[4] واشنطون ارفنج (نقلا عن كتاب روح الدين الإسلامي).



[5] جولد تسهير : العقيدة و الشريعة في الإسلام (ترجمة طائفة من علماء الأزهر )، ص 5-6.



[6] واسنطون ارفنج (نقلا عن كتاب روح الدين الإسلامي ، ص 437).



[7] توماس كارليل : الابطال ، ص 74.



[8] ك. جيورجيو : نظرة جديدة على سيرة رسول الله ، ص 116.

[9] آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص 145.



[10] مونتجمري وات : محمد في مكة ، ص 182 – 189.



[11] ك. جيورجيو ، ص 117.



[12] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، ص 91-92.

[13] كارل بروكلمان : تاريخ الشعوب الاسلامية ، ص 34-35.



· ضيزى : جائرة .



[14] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 67-69.

[15] كارل بروكلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص 35.



[16] محمد حسنين هيكل : حياة محمد ، ص 162-163 (راجع دراسته القيمة في كتابه المذكور).



[17] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، ص 79.



[18] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، ص 101.

[19] توماس كارليل : الأبطال ، ص 74-75.



[20] ك. جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 134.



[21] اتيين دينه : محمد رسول الله ، ص 156-157.



[22] آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص156-157.



[23] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص80-81.



[24] آتيين دينه : محمد رسول الله ، ص 169.



[25] سيديو : خلاصة تاريخ العرب ص 54.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:45 pm

ويعتبر المستشرقون أن اعتراف الرسول r بالآلهة الثلاث كان وراء هدف سياسي لكسب الأنصار في مكة والمدينة والطائف ، واستمالة عدد من زعماء قريش . . . غير أنه من الأهمية بمكان ، التأكيد على أن الرسول r الذي عرف طوال عمره بروحه الكفاحية العالية التي لا تهادن لا يمكن البتة أن يعترف بتلك الآلهة ، ويقع في فخ الشرك الذي كان أساس دعواه القضاء عليه وإقامة الوحدانية . . وهذا مما يؤكد بدوره اختلاق هذا الخبر المدسوس في كتب الحديث المشهورة بضعفها وعدم ثقة رواتها .



و نرى أن نثبت هنا مارد به الباحث اللبناني الدكتور عمر فروخ في تعليقه على كتاب بروكلمان ومناقشته تمسك المبشرين بهذه الرواية ، يقول ذلك العلامة :



(( الكلام في هذا الموضوع كثير ، وجله خارج عن الحقيقة . وخلاصة الموضوع توجز في ما يلي :



" زعم توم من الرواة أن الرسول قواً يوماً في سورة النجم ( السورة 53 ) : } أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى {( الآيات 19 _ 20 ) ثم قرأً بعدها : " تلك الغرايق العلى وان شفاعتهم لترتجى ".



وأمسك المبشرون وبعض المستشرقين بهذه الروايه وزعموا أن الرسول لم أنما فعل ذلك لما قاومه مشركو مكة ، فأحب أن يقترب منهم فمدح آلهتهم ثم عدوا عمله هذا تراجعاً عن تشدده في التوحيد ومجابهة الأصنام .



ولقد وجدت أن أحسن رد على هذه الفرية ما ذكره العالم الهندى المشهور مولانا محمد على :



قال : إن هذه الرواية وردت عند الواقدى وعند الطبرى ، ومع ذلك فإنها لا ظل لها من الحقيقة ، فإن كل عمل من أعمال رسول الله مناقض لمثل هذا الاتجاه . أضف إلى ذلك أن الواقدي معروف بسرد الإسرائيليات وبسرد الخرافات . وكذلك الطبري معروف بالجمع الكثير وباستقصاء الروايات مهما كان حظها من الصحة .



على أننا لو رجعنا إلى رواية محمد بن اسحق أو إلى صحيح البخاري وهو الذي لم يغادر من حياة الرسول شيئاً إلا ذكره لم نر لقصة الغرانيق أثراً . وابن اسحق جاء قبل الواقدي بأربعين سنة وقبل الطبري بنحو مائة وخمسين سنة أو تزيد . ومع ذلك لم يذكر هذه القصة . ثم إن الواقدي معروف عند المحدثين بأنه يضع الأحاديث وأنه غير ثقة فيما يروي ، وكذلك لم يذكرها أحد من رواة الحديث .



وإذا عدنا إلى قراءة الآيات نفسها بالتسلسل وجدناها: } أفرأيت اللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى؟ ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذن قسمة ضيزى، إن هي إلا أسماء سيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ، ولقد جاءهم من ربهم الهدى{.



فليس من المعقول أن تحشر بين هذه الآيات المتتالية آية مناقضة لها في أصل العقيدة الإسلامية وصلب دعوة محمد r ))[15] .



وجدير بالذكر أن المفكر العربي الإسلامي محمد حسين هيكل ناقش بدوره مسألة "الغرايق العلى" ورد على ادعاءات المستشرقين الذين اعتروها مسلمة ، وفي مقدمتهم المستشرق الإنكليزي وليم موير ، فخلص إلى القول :



(( هذه هي الحجج التي يسوقها من يقولون بصحة حديث الغرانيق وهي حجج واهية لا تقوم أمام التمحيص)) [16].



إسلام حمزة وعمر



هذا ، وإن كان خبر "الغرانيق" غير صحيح ، فالثابت أن قريشاً لم تهادن الرسول r البتة ، بل كانت في هذه المرحلة التاريخية ، التي اختلق في سياقها هذا الخبر ، على أشد عنفها ومحاربتها الدعوة الإسلامية ، التي كانت تعاني صعوبات جمة ، ومع ذلك استطاعت أن تحقق نصرا كبيرا في إسلام رجلين هما من أبرز وجوه قريش وأشجع أبطالها . . وهما حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب ، وذلك في السنة السادسة للبعثة . . .



وكان لإسلام هذين الرجلين أثره البالغ على مسار الحركة الإسلامية ، إذ شجع الناس على الدخول في الإسلام ، فكان أن تحولت الدعوة للمرة الثانية للعلانية ، بعد أن اضطرت إلى السرية إبان الهجمة الشرسة ، يتحدث الباحث الإسلامي مولانا محمد على عن أثر إسلام هاتين الشخصيتين الضخمتين - حمزة وعمر- في مسار الدعوة الإسلامية بقوله :



(( وكان في إسلام عمر منعة للجماعة الإسلامية الفتية التي كان عودها ما زال أطرى من أن يواجه عاصفة المعارضة . وإنما أعز الله الإسلام بحمزة وعمر في السنة السادسة من رسالة محمد ، فحتى ذلك الحين لم يجرؤ المسلمون على ممارسة شعائرهم علناً. وكانوا قد حصروا نشاطهم الديني ضمن جدران دار الأرقم الأربعة . حتى إذا أعلن عمر إ سلامه استشعروا أنهم أمسوا من القوة بحيث يخرجون من نطاق السرية ، فأخذوا يقيمون صلواتهم على نحو علني في البيت الحرام ( الكعبة) ، وفي غضون ذلك دخل في كنف الإسلام كثير من أبناء الطبقات الدنيا )) [17].

النصر المرحلي في مسار الدعوة الإسلامية



كان إسلام حمزة وعمر انعطافاً في تاريخ الدعوة إذ تمكنت من كسر طوق الحصار القرشي وانتهت إلى الانتشار بين القبائل العربية المجاورة ، فحققت بذلك نصرا مرحلياً مؤقتاً ، لكن سرعان ما تحركت قريش هذه المرة بجدية اكبر، لأنها شعرت بالخطر المحدق ينمو يوماً بعد يوم ، ويشكل تهديداً حقيقياً لمصالحها الاقتصادية والسياسية ، لاسيما حين سلكت الدعوة هذه المرة سبيل التحدي وممارسة الشعائر الإسلامية علانية وأخذت تكسب أنصاراً جدداً ... يقول الباحث العسكري غلوب باشا :

(( و على الرغم من أن إسلام هذين الرجلين - حمزة وعمر - قد شجع النبي إلا أنه في الوقت نفسه حفز كبراء قريش على أن يوسعوا نشاطهم ضد الدعوة الإسلامية . وخافوا أن يؤدي اغتيالهم المسلمين من القرشيين إلى نزاعات دموية في المدينة ولا سيما مع بني هاشم



حصار المسلمين في شعب أبي طالب



وفي هذه المرحلة المحرجة من مسيرة الدعوة ، استخدمت القيادة القرشية سلاحها الأخير إذ اتخذت قرارها المجرم بفرض الحرم الجماعي عل قبيلة بي هاشم لمعتها الرسول r ضد أعدائه ، وذلك حين أفلست جميع محاولاتها السابقة لإيقاف مسيرة الدعوة الإسلامية ، يقول مولانا محمد علي :



(( حتى إذا مني القرشيون بالخيبة في تلك المحاولات جميعاً عزموا على اللجوء إلى سلاحهم الأخير . كان ذلك في السنة ألسابعة للدعوة ، وكانت كثرة المسلمين قد وفقت إلى الفرار بأنفسها إلى الحبشة . وكان هزة وعمر قد اعتنقا الإسلام ، وكذلك أبو طالب قد رفض صراحة ، أن يخذل الرسول نزولا عند مطلب قريش . وباستثناء أبي لهب كان بنو هاشم كلهم قد عقدوا العزم على أن ينصروه ويقاتلوا دفاعاً عنه حتى الرجل الأخير . وفوق هذا ، فقد راح نور الإسلام ينتشر من قبيلة إلى قبيلة . من أجل ذلك قرر القرشيون إذ يفرضوا حرماً اجتماعياً على بي هاشم ، فلا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم ولا يبيعونهم شيئاً ولا يبتاعون منهم شيئاً . ثم أنهم كتبوا صحيفة بهذا المعنى وعلقوها في ( جوف ) الكعبة لكي يعطوها معنى القداسة . فلما سمع بنو هاشم بهذا شخصوا إلى موطن منعزل من مكة يعرف بالشعب ))[18] .



ووقفت قبيلة بني هاشم موقفاً شجاعاً بتأييدها الرسول وقبلت الحرم الاجتماعي رغم أن الإسلام لم يعم سائر أفرادها ، وينبع موقفها هذا من موقف أبي طالب من جهة ، ولاحترامها النبي r من جهة ثانية ، فرفضت التخلي عنه في أيام محنته . . .



هذا ، وشكل الحرم الاجتماعي مصاعب جدية أمام الدعوة الإسلامية ، إذ مرت في مرحلة جمود بعد نهضتها السابقة ، فلم يعد بالامكان أن يتصل المسلمون بالقبائل العربية وهم محصورون داخل شعب أبي طالب ، ذلك أن بني هاشم قبلوا ببطولة ملحمية أن يقفوا مع الرسول في محنته ، ويعيشوا في أشد الظروف قساوة في ظل المقاطعة القرشية اجتماعياً واقتصادياً .

ثبات الرسول على المبدأ



رغم أن الحصار دام ثلاث سنوات ، لكن ما لبث أن ظهرت المعارضة داخل صفوف القرشيين لفك الحصار عن بني هاشم والمسلمين ، ولاسيما بعد تمزق صحيفة الطرد الجماعي المعلقة في الكعبة ، فكان أن عادت الدعوة مرة أخرى إلى نشاطها .



وشهد العام العاشر للبعثة تحولاً في أسلوب محاربة قريش الدعوة الإسلامية إذ عرضت على الرسول أن لا يتعرض لديانة أجدادهم وأن لا يتعرضوا بدورهم للمسلمين شريطة أن يدعهم ودينهم ويدعوه ودينه . . .وكان أن تم اللقاء بين الطرفين في منزل عم الرسول أبي طالب وهو على فراش الموت . . . لكن موقف الرسول r ظل ثابتاً فلم يقبل بأي شكل من أشكال التراجع عن نشر رسالته في صفوف المشركين ، ولو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله . . . .

مصاعب على طريق الدعوة



وفي هذه المرحلة من مسيرة الدعوة الإسلامية ، أصيب الرسول بضربة ، قاسية إذ توفيت زوجته المخلصة خديجة ، وعمه وراعيه أبو طالب ، وشرعت قريش تحاربه بشراسة وضراوة ، ويحدث توماس كارليل عن وضع الرسول الجديد بقوله:



(( فصبوا له الإشراك وبثوا الحبائل وأقسموا بالآلهة ليقتلن محمد بأيديهم ، وكانت خديجة قد توفيت ، وتوفي أبو طالب ، وتعلمون - أصلحكم الله - أن محمداً ليس بحاجة إلى أن ترثى له ولحاله النكراء إذ ذاك ومقامه الضنك وموقفه الحرج ، ولكن اعرفوا معي أن حاله إذ ذاك من الشدة والبلاء كما لم ير إنسان قط ، فلقد كان يختبىء في الكهوف ، ويفر متنكراً إلى هذا المكان وإلى ذاك ،لا مأوى ولا مجير ولا ناصر ، تتهدده الحتوف وتتوعده الهلكات ، وتفغر له أفواهها المنايا ، وكان الأمر يتوقف أحياناً على أدنى – كإجفال فرس من أفراس أتباع محمد - فلو حدث ذلك لضاع كل شيء ولكن أمر محمد - ذلك الأمر العظيم - ما كان لينتهي على مثل تلك الحال))[19] .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:41 pm

الأثر التاريخي للدعوة الإسلامية



لقد شكلت الدعوة الإسلامية التي لا تعرف الطبقية ، بمناداتها بالمساواة الاجتماعية ، خطراً على الأرستقراطية القرشية . . . . فالإسلام دعوة إنسانية تبشر بالإخاء والحرية والعدل والمساواة ، وذلك لأن الرسالة لم تكن مقصورة على الخاصة ، بل اجتذبت إلى صفوفها الفقراء والعبيد ، الذين رأوا بتعاليم الإسلام الإصلاحية ، إطلاقهم من أمر العبودية والفقر ، وخلاصاً روحياً من عبادة الأوثان ، فتطهراً بوحدانية الإيمان . . . هذا ويذهب الباحث المجرى جولد تسهير ( 1850 - 1903) في مؤلفه : (العقيدة و الشريعة في الإسلام ) إلى دراسة الأثر التاريخي للدعوة الإسلامية في محيطها العربي بقوله :



(( يمكننا أن نلقى نظرة عامة شاملة على الأثر التاريخي الذي قامت به الدعوة إلى الإسلام ، خاصة أثرها في الدائرة القريبة ، التي كانت دعوة محمد موجهة إليها بطريق مباشر قبل غيرها، حقاً لا جدة ولا طرافة في هذه الدعوة ، ولكن قد استعيض عنها بأن محمداً قد بشر برسالة الإسلام للمرة الأولى بحماس لا يفتر ولم تعوزه المثابرة ، وبعقيدة ثابتة بأن هذا الدين يحقق صالح الجماعة الخاصة ، وقد كان في ذلك كله مظهرا إنكار الذات ، برغم سخرية الجمهور ، إذ الحق أن محمداً كان بلا شك أول مصلح حقيقي في الشعب العربي من الوجهة التاريخية ، تلك كانت طرافته برغم قلة المادة التي كان يبشر بها)) [5].



الوعد والوعيد والترغيب والترهيب



هذا ، وقد استخدمت السلطة القرشية جميع أسلحتها لمحاربة الدعوة الإسلامية ،التي وان كانت تعيش أجواء الحصار ، وتنتشر بصعوبة ، لأنها أدركت جدية الخطر المقبل ،إذ أخذ بعض القرشيين يتعاطفون مع هذه الفئة الصامدة ، كما كان للرسول r الداعية الإسلامي الأول عميق الأثر في وجدان من يحاججهم ويدعوهم إلى طريق الهداية ... فحين أدركت قريش فشل أساليبها العقيمة لجأت إلى سلاح آخر هو سلاح الوعد والوعيد والترغيب والترهيب . . . لقد عرضت على الرسول r المال والجاه والسلطان والنساء ، على أن يتخلى عن رسالته . .. لكن هيهات أن تجدي هذه الوسائل والأساليب نفعاً . . . فارتدت إلى أساليب الإيذاء النفسي والجسدي ، التي بلفت مرحلة خطيرة ، إذ جرت محاولتان لقتله وهو يصلى في ظل الكعبة .



غر أن الرسول r بلغ من الإيمان برسالته درجة لا رجوع فيها ورغم كل المخاطر و المزالق ، وكل أساليب الوعد والوعيد ما كان بمقدوره ، أن يتراجع قيد أنملة عن مسيرته ، وهو على ثقة تامة بأن الله مؤيده بنصر ولا ريب ، وأن الرسالة لا بد أن تعم مستقبلاً ، ولذا مضى مستهيناً بكل الصعاب ليقينه أن نشر رسالة التوحيد في الأجواء الوثنية لا بد أن تؤلب عليه الأعداء وتقوده إلى خصومة القيادة القرشية ، يقول المؤرخ الأمريكي واشنجتون ارفنج :



(( لقي الرسول من أجل نشر الإسلام كثيراً من العناء ، وبذل عدة تضحيات . فقد شك الكثير في صدق دعوته ، وظل عدة سنوات دون أن ينال نجاحاً كبيراً ، وتعرض خلال إبلاغ الوحي إلى الإهانات والاعتداءات والاضطهادات ، بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويحث عن مكان يهاجر إليه . . . فقد كان في الأربعين من عمره حينا نزل عليه الوحي وعانى كثيراً سنة بعد أخرى في نثر الإسلام بين أفراد قبيلته )) [6] .



وبدوره تناول الباحث الإنكليزي توماس كارليل موقف قريش من الرسول وكفاحه المرير في نشر الدعوة وموقف عمه أبى طالب ، فقال :



(( وسرى أمر محمد ببط ، ولكنه سريان على كل حال . وكان عمله بالطبع سيء ، الوقع لدى كل إنسان ، إذ جعلوا يقولون : « من هذا الذي زعم أنه أعقل منا جميعاً ، والذي يعنفنا ويرمينا بالحمق وعبادة الخشب ، وأشار عليه أبو طالب أن يكتم أمره ويؤمن به وحده، وأن يكون له من نفسه ما يشغله عن العالم ، وأن لا يسخط القوم ويثير غضبهم عليه فيخطر بذلك حياته ، فأجابه محمد : " و الله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته" كلا ، فإن في هذه الحقيقة التي جاء بها لشيئاً من عنصر الطبيعة ذاتها لا تفضله الشمس ولا القمر ، ولا أي مصنوعات الطبيعة ، ولا بد لتلك الحقيقة من أن تظهر برغم الشمس والقمر ، ما دام قد أراد أن تظهر ، وبرغم قريش جميعها ، وبكره سائر الخلائق والكائنات . نعم لا بل أن تظهر ولا يسعها إلا أن تظهر ، بذلك أجاب محمد ، ويقال انه اغرورقت عيناه : لقد أحس من عمه البر والشفقة ، وأدرك وعورة الحال ، وعلم أنه أمر ليس بالهين اللين ، ولكنما أمر صعب المراس ، مر المذاق ))[7] .

الهجرة إلى الحبشة



كان لعلانية الدعوة الإسلامية أن شكلت منعطفاً تاريخياً في مسارها ، إذ لاقى المسلمون الأوائل شتى أفانين العذاب وضروب الظلم ،و تعرضوا للفتنة والقتل ، فسقط منهم الشهداء ، وهم صامدون مدللين بذلك على الثبات على إيمانهم العميق الذي هيهات أن تزعزعه أية قوة غاشمة .



ومع ذلك لم يكن جميع المسلمين الأوائل على هذا المستوى والاستعداد للتضحية ، فكان هناك من لانت قناته فلم يصبر ولم يصمد أمام العذاب ، فانتزعت من شفاههم كلمات الردة عن الإسلام ، رغم إيمانهم بالرسالة ، مما جعلهم يعانون الأمرين ، مرارة الخجل والشعور بالهزيمة ، ومرارة تنكرهم للإسلام والتزامهم بدين أجدادهم ، ويتحدث المستشرق الرومانى « جيورجيو» عن الأوضاع السائدة ، قبل أتحاذ الرسول قرار هجرة المسلمين إلى الحبشة ، بقوله :



(( لم يكن إيمان بعض من أسلم مؤخراً بمستوى المسلمين الأوائل ، كما لم يكن لهم ذلك العزم الذي يجابه شدائد المشركين ، ولاسيما أن قريشاً زادت من عدائها حيث منعت الناس من بيع المسلمين والشراء منهم ، كما منعت الزواج منهم ، أو التزوج ببناتهم . ففي مكة ، كانت التجارة هي الوسيلة الوحيدة للعيش ، فعندما امتنعوا عن التعامل معهم شلوا حركتهم وهذا ما دفع بعض من أسلموا مؤخراً إلى التخلي عن إيمانهم والارتداد إلى دين أجدادهم ))[8] .



ويتحدث المستشرق الفرنسي ه آتيين دينيه ، عن مأساة المسلمين وآلام الرسول r لفتنتهم ، وقراره الشجاع بهجرتهم إلى الحبشة ، قائلاً :



(( وامتلأت نفس الرسول حزناً ، أمام هذه المآسي التي كان يتحملها ضعاف المسلمين الذين لا يجدون من يحميهم . حقاً إن شجاعة المعذبين والشهداء في سبيل الله برهنت على إسلامهم العميق ، ولكنه رأى أن من الخير ألا يستمر هذا البلاء ، فنصح الضعفاء ومن لم تدعهم الضرورة إلى البقاء في مكة بالهجرة إلى الحبشة حيث المسيحيون ، وحيث التسامح والعدل اللذان اشتهر بهما ملكها النجاشي))[9] .



وتدل فكرة الهجرة إلى الحبشة على ما تعانيه الحركة الإسلامية من تعثر وضغوط نفسية وآلام جسدية في أتون ذلك الصراع بين العقيدتين الوثنية والتوحيدية ، ونلخص بما يلي الأسباب المباشر لتلك الهجرة :



الهروب من الاضطهاد الجسدي والمعنوي والإفلات من الحصار المادي .



تجنيب المسلمين خطر الارتداد عن الإسلام .



وتذهب بعض المصادر الاستشراقية إلى الاعتقاد بأن وراء الهجرة أسباباً أخرى منها التجارة ، أو مخططاً سياسياً ، هدف الرسول من ورائه الحصول على مساعدة حربية من الأحباش. في حين يتحدث بعض المستشرقين عن ظهور انشقاق داخل أمة الإسلام الناشئة بين طائفتين متنافستين يقود كلاً منهما أبو بكر وعثمان بن مظعون ، فعمل الرسول r على القضاء على الشقاق في مهده فأشار بالسفر إلى الحبشة لتأييد مخطط المحافظة على مصالح الإسلام )) [10] .



لقد كان قرار الرسول r حكيماً وواقعياً لحماية المسلمين من الاضطهاد ، وحماية الحركة الإسلامية - مستبعدين الآراء الاستشراقية الأخرى - فجاء تصميمه على هجرة المسلمين وأن يبقى هو في مكة يواجه ذلك الإعصار العاتي ، يقول جيورجيو :



((وقر رأيه أخيراً على ترحيل المسلمين إلى الحبشة ، بينما يبقى هو في مكة ، متحملاً كل الأخطار . ولم يقم أي من الأنبياء السابقين بمثل هل ا التصميم))[11] .



وتوجست القيادة القرشية من هجرة المسلمين إلى الحبشة شراً مستطيراً ، فحاولت دون جدوى أن تقبض عليهم وتحول دون إبحارهم ، فثارت ثاثرتها لإفلاتهم من قبضة الكفر ، وأخذت تحسب لهذه الهجرة ألف حساب ، فاستقر رأيها على إيفاد رجلين من لدنها ها عمرو بن العاص داهية العرب وعمارة بن الوليد ليطلبا إلى النجاشي إعادة المسلمين على أنهم مارقون من الدين . . . وفعلاً ، تحدث سفيرا قريش مع النجاشي في مهمتهما هذه ، إلا أن دفاع المهاجر جعفر بن أبي طالب عن الإسلام بحضرة النجاشي ، كان له أثره العميق في وجدانه . ورأى بالرسالة الجديدة ديناً جديداً يعترف بالرسالات السماوية السابقة ، ويقر بوحدانية الله ، ورفض الشرك والوثنية ، وينهى عن فواحش الجاهلية ويدعو إلى مكارم الأخلاق. فكان أن رفض طلب القيادة القرشية ، ومنح المسلمين حق اللجوء ، فوجدوا بحواره أمناً ودعة .



ويتحدث الباحث الإسلامي مولانا محمد على في كتابه : « حياة محمد ورسالته » عن آثار الهجرة الإسلامية على القيادة القرشية ، بقوله :



(( وحين عاد الوفد القرشي من الحبشة بخفي حنين تخطى غيظهم كل حد، لقد واصلوا اضطهادهم المسلمين في اهتياج مضاعف . كانوا حتى ذلك الحين يشهدون صبر المسلمين على هذه المحن القاسية في دهش عظيم ، ولكن الهجرة إلى الحبشة أعطتهم برهاناً قاطعاً على أن المسلمين مستعدون لمختلف ضروب المخاطر، ولتحمل كل لون من ألوان التعذيب في سبيل عقيدتهم ، وعلى أنهم لن يحجموا عن خوض غمار المخاطر كلها في سبيل الله . وفوق هذا ، فعندما تسامع سائر المسلمين في مكة بالرعاية الكريمة التي أسبغها النجاشي على إخوانهم شخص عدد منهم في العام التالي إلى الحبشة . و تعرف هذه الهجرة بالهجرة الثانية إلى الحبشة . وبذل القرشيون قصارى جهدهم لكبح جماح هذه الهجرة ، ولكن دونما طائل )) [12] .

نقد خبر «الغرانيق»



وفي تلك الفترة المتأزمة في تاريخ مسيرة الدعوة الإسلامية ، التي شهدت هجرة المسلمين إلى الحبشة ، تحول أعظم رجلين من رجالات قريش إلى الإسلام وهما حمزة عم الرسول وعمر بن الخطاب ، فبلغ الصراع بين المشركين والمسلمين أعلى مراحل احتدامه ، وهنا ، في هذه الفترة بالذات يأتي خبر « الغرانيق العلى » ليحدث في سيرة الرسول ومسيرة الدعوة الإسلامية شرخاً ، بإيمان النبي محمد وعسيرة الإسلام . . .



ورغم اقتناعناً المسبق باختلاق خبر (الغرانيق العلي)، لكننا آثرنا الوقوف عنده لأنه عملياً ، أثار ضجة كبرى في الدراسات الإسلامية ، ونبهت الكثير من المستشرقين للتوقف عندها ، بل للتحقق من مدى صحتا تاريخياً لما فيها من مساس برسول الإسلام ، وشخصيته العظيمة وحقيقة الصلح المؤقت المزعوم بينه وبين الزعامة القرشية . . . ويندرج في جملة من تحدث بها على أنها حقيقة ثابتة المؤرخ الألماني كارل بروكلمان الذي ذهب به الرأي إلى أنه رغم ما يعمر قلبه r من إيمان بوحدانية الله جل جلاله وبالتالي بطلان آلهة قريش ، فقد اعترف في البدء بآلهتم الغرانيق الثلاث ، اللات والعزى ومناة ، يقول :



((ولكنه على ما يظهر اعترف فى السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونها بنات الله . ولقد أشار إليهن في إحدى الآيات الموحاة إليه بقوله : " تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى " . أما بعد ذلك حين قوى شعور النبي بالوحدانية فلم يعترف بغير الملائكة شفعاء عند الله ، وجاءت السورة الثالثة والخمسون (النجم ) وفيها إنكار لأن تكون الآلهة الثلاث بنات الله . ولم يستطع التقليد المتأخر أن يعتبر ذلك التسليم إلا تحولاً أغراه به الشيطان ، ولذلك أرجئت حوادثه إلى أشد أوقات النبي ضيقاً في مكة ، ثم ما لبث أن أنكره و تبرأ منه في اليوم التالي ))[13] .



والغريب أن الباحث العسكري غلوب باشا ، قه أورد خبر (الفرايق) رغم الاتجاه العسكري لكتابه : " الفتوحات العربية الكبرى" وما يحرص عليه غالباً من الموضوعية فقد ساق الخبر نقلاً عن المستشرقين الذين سبقوه في التشكيك برسالة الإسلام ، ونحن لا نرى في ذلك بدعاً ، إذ وقع في هذا الشرك الكثير من كتاب السيرة المسلمين ورواة الأحاديث الضعيفة ، يقول :



(( وكان وجوه مكة وشيوخها يجلسون ذات يوم في العراء على مقربة من الكعبة عندما اقترب منهم محمد واقتعد مجلسه معهم ، وبعد صمت قصير بدأ النبي يتلو على مسامعهم سورة النجم ، فيحدثهم عن الوحي والتنزيل وكيف وقف الملاك جبريل على بعد خطوتين منه حدثهم عن زيارة الملاك الثانية ، عند سدرة المنتهى ، ثم مضى يقول . . . } ثم رأى من آيات ربه الكبرى . أفرأيتم اللات والعزى ، و قناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى ، تلك إذا قسمة ضيزى* { ورأى سادة قريش الرسول وهو يشهد لهذه الآلهة الثلاثة ، ثم رأوه في نهاية السورة وهو يسجد في صلاته فسجدوا معه جميعاً وأخذوا يصلون معه . ولا ريب في أن هذا الحادث يقيم الدليل على أن أهل مكة كانوا يعترفون بصورة عامة بوجود إله عظيه واحد . ولكنهم كانوا يرون أن آلهتهم المحلية هذه هي سبيل للوساطة عنده . وكانوا يقولون إنهم على استعداد لإتباع النبي في عبادة الله شريطة أن يكون على استعداد للاعتراف بدور آلهتهم الصغرى . وسرعان ما وقعت مهادنة آنية وتوقفت حملات العذاب والاضطهاد .



ولكن الرسول ما فتىء أن عاد إلى داره وشعر بضميره يعذبه ، فهل من الحق أن يهادن الشرك حتى ولو كانت غايته إنقاذ أتباعه من الاضطهاد وظهر له جبريل من جديد وأخذ يعاتبه . وأحس بالألم والخوف من الله . انه لا يرضى عن تراجعه وقرر أن يتراجع عن موقفه السابق وأن يواجه من جديد غضب قومه . وعاد إلى القوم فأكمل على مسامعهم السورة على النحو الذي يبدو في القرآن . وأثار هذا التراجع سخط أهل مكة واستفزهم فعادوا إلى اضطهاد المسلمين )) [14].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:39 pm

الدعوة الإسلامية في مسيرتها الكفاحية

المسلمون الأوائل وسرية الدعوة



لقد كان قميناً بتلك الدعوة الإسلامية أن تكون كفاحية المسيرة ، وخاصة فيما يتصل بانطلاقتها التي بدأت سراً ، ومن ثم بالمجاهرة والعلانية ، إذ أقصرت بادىء ذي بدء على قلة من المسلمين ، في طليعتهم زوج الرسول خديجة من النساء وأبو بكر من الرجال ، وعلى بن أبي طالب من الفتيان ، وزيد بن حارثة من الموالي ، و بلال من العبيد .



ومن ثم انضم إلى صفوف المسلمين عدد من الرجالات الذين كان لهم دورهم البارز في التاريخ الإسلامي . . . يتحاث « آتيين دينيه » عن تلك المجموعة الإسلامية الأولى وممارستها العقيدة سراً ، وبالتالي مسيرة الحركة في هذه المرحلة بقوله :



(( هذه المجموعة الصغيرة من المؤمنين كانت تحيا حياة مليئة بالانفعالات والعواطف . حقاً ما أجمل اجتماعهم في عبادة الله مستخفين عن أعين الناس . لشد ما كانوا يأخذون حذرهم كيلا يثيروا انتباه المشركين . وفي هذه الظروف لا يمكن للدعوة الإسلامية أن تنشر إلا سراً ، وبين الأصدقاء ، ولهذا كان تقدم الإسلام في سنواته الثلاث الأولى بطيئاً جداً )) [1] .



علانية الدعوة وعداء قريش للإسلام



وبعد ثلاثة أعوام على بدء البعثة ، انتقلت الدعوة إلى العلانية ، حيث صدع الرسول r بأمر رمه لنثر رسالة الإسلام انطلاقاً من عشيرته الأقربين ، وبعدها إلى سائر أفراد قبيلته في قريش المكية . . .



ولم يلق الرسول r إلا إعراضا وهزءاً جابههما به سكان مكة ، بل سرعان ماً ثارت ثائرة قريش حين دعاً - عليه السلام - إلى نبذ عبادة الأصنام ، والالتفات إلى الديانة التوحيدية . . . . وكان قادة مكة من مشركي قريش متمسكين بتقاليدهم الدينية عكوفاً على الأوثان ، ورموا الرسول r بأقبح النعوت ، من سحر وشعر وكهانة وجنون ، وأطلقوا عليه لقب الصابىء لخروجه على عقيدة أجداده ، وساموه مر العذاب . . . ويتحدث المفكر الإنكليزي توماس كارليل عما لاقاه الرسول من عشيرته وعاناه في محاولته إقناع أفرادها بصحة ما يؤمن به ، فقال :



(( وجعل يذكر رسالته لهذا ولذاك ، فما كان يصادف إلا جحوداً وسخرية ، حتى أنه لم يؤمن به في خلال ثلاثة أعوام إلا ثلاثة عشر رجلاً ، وذلك منتهى البط ، و بئس التشجيع ، ولكنه المنتظر في مثل هذه الحال ، وبعد هذه السنين الثلاث أدب مأدبة لأربعين من قرابته ثم قام بينهم خطيبا فذكر دعوته ، و انه يريد أن يذيعها في سائر أنحاء الكون ، و أنها المسألة الكبرى بل المسألة الوحيدة ، فيهم يمد إليه يده ويأخذ بناصره ؟ وبينما القوم صامتون حيرة و دهشة وثب على ، وكان غلاماً في السادسة عشر ، وكان قد أغاظه سكوت الجماعة فصاح في أشد لهجة أنه ذاك النصير والظهير . ولا يحتمل أن القوم كانوا منابذين محمداً ومعادينه وكلهم قرابته ، وفيه أبو طالب عم محمد وأبو علي ، ولكن رؤية رجل كهل أمي يعينه غلام في السادسة عشر ، يقومان في وجه العالم بأجمعه كانت مما يدعو إلى العجب المضحك ، فانفض القوم ضاحكين ... ولكن الأمر لم يك بالمضحك ، بل كان نهاية في الجد والخطر)) [2] .

اضطهاد قريش للرسول والمسلمين الأوائل



لكن عداء قريش لرسالة الإسلام لم تثن الرسول ولا المسلمين الأوائل عن عقيدتهم ، فاستمر عليه الصلاة والسلام على نشر الدعوة بروح كفاحية مما لية ، كما لم تستطع كل أساليب الاضطهاد والإرهاب أن تنتزع الإيمان من قلوب تلك العصبة الإسلامية الصغيرة بعددها ، الكبيرة بإيمانها بالرسالة الجديدة . . . . .





وإذا كان الرسول r يحظى بحماية قبيلته - بنى هاشم – حسب الأعراف القبلية ، وكذلك بعض المؤمنين من أسرهم القرشية ، تبعاً للأعراف نفسها ، فقد لاق مستضعفوالمسلمين أقس أنوع الظلم والاضطهاد ، وعوملوا بمنتهى الوحشية ، إذ تفنن القرشيون في عذابهم ، حتى سقط منهم الشهداء ، مما دل على الإيمان العميق لأولئك المسلمين الأوائل الذين صمدوا للهمجية الشرسة لمشركي قريش ، ودلل صمودهم البطولي على قوة الإسلام ومنعته رغم طراوة عوده .



الصراع بين الوثنية والتوحيد



كان الصراع بين الوثنية والتوحيد على أشده ، وقد تجل فيه الثبات على العقيدة والإيمان بالمبدأ لدى طرفي الصراع . . . . فمن جهة ، كان القرشيون حريصين بالغ الحرص على طقوس عبادة أسلافهم ، لاسيما وقد جاءت الدعوة الجديدة لتهدم كل معتقداتهم ولتضرب مصالحهم الأرستقراطية القائمة على ترابط العوامل السياسية والاقتصادية والدينية . . . .

كفاحية الرسالة الإسلامية



ومن جهة ثانية ، دلل صمود المسلمين الأوائل على أن العقيدة التي آمنوا بها هي أقوى من جميع نوازعهم ، بلغ لديهم الثبات على المبدأ ذروة التضحية بالذات والمال في سبيل أن تبقي شعلة الإسلام متألقة نيرة . . .



وكان نضال الرسول ملحمياً ، لم إيمانه بالرسالة عميقاً ، لم تثنه مواقف قومه عن المضي في نشر الدعوة ، مما تحدث عنه المستشرق الإيطالي ميخائيل ايمارى في كتابه (تاريخ المسلمين) ، فقال :



(( وحسب محمد ثناءً عليه أنه لم يساوم ولم يقبل المساومة لحظة واحدة في موضوع رسالته على كثرة فنون المساومات واشتداد المحن وهو القائل "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ". عقيدة راسخة ، وثبات لا يقاس بنظير، و همة تركت العرب مدينين لمحمد بن عبد الله ، إذ تركهم أمة لها شأنها تحت الشمس في تاريخ البشر )) [3] .



رسالة الإسلام وخطرها عل السلطة القرشية



وقد جر موقف الرسول r الثابت في نشر الدعوة عداء القبيلة ، ممثلاً في السلطة القرشية التي أخذت تخشى على مواقعها السياسية ومصالحها التجارية فضلاً عن استيائها من ذم عباداتها وأوثانها ، يقول « وشنطون إرفنج » متحدثاً عن مكانة الرسول r في قبيلته واصطدامه بها حين صدع بالرسالة التي تشكل خطراً على السلطة القرشية :



(( هل كان قوي النفوذ ؟ نعم ، فقد كانت أسرته تقوم بسدانة الكعبة ، وتتولى شؤون مكة ، تلك المدينة المقدسة ، ولذا كان مركزه وما اتصف به من أخلاق كريمة يؤهلانه ليكون موضع الثقة . ولكن حينها دعا محمد إلى الإسلام اصطدم بأسرته وقبيلته ، وجر على نفسه عداءهما ، فقد كان تحطيم الأوثان يقضي على سيطرة قريش على الكعبة وما تستفيده من قدوم الحجاج )) [4].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:38 pm

يقول المستشرق والمؤرخ الفرنسي رينيه غروسيه صاحب كتابي ، (الحروب الصليبية) ، و ( مدنيات من الشرق ) في مؤلفه الأخير :



((كان محمد لما قام بهذه الدعوة شاباً كريما نجداً، ملآن حماسة لكل قضية شريفة ، وكان أرفع جداً من الوسط الذي يعيش فيه ، وقد كان العرب يوم دعاهم إلى الله منغمسين في الوثنية ، وعبادة الحجارة ، فعزم على نقلهم من تلك الوثنية إلى التوحيد الخالص البحت ، وكانوا يهتفون بالفوضى ، وقتال بعضهم بعضاً فأراد أن تؤسس لهم حكومة ديموقراطية موحدة ، وكانت لهم عادات وحشية همجية صرفة ، فأراد أن يلطف أخلاقهم ، ويهذب من خشونتهم ))[15] .



بينا نظر اليه المستشرق السويسري ادوار مونتيه ( 1810 - 1882 ) مدير جامعة جنيف ومدرس اللغات الشرقية - في مؤلفه : « المدنية الشرقية » » نظرته إلى الأنبياء التوراتيين القدماء بقوله :



« كان محمد نبياً بالمعنى الذي كان يعرفه العبرانيون القدماء ، ولقد كان يدافع عن عقيدة خالصة لا صلة لها بالوثنية ، وأخذ يسعى لانتشال قومه من ديانة جافة لا اعتبار لها بالمرة ، وليخرجهم من حالة الأخلاق المنحطة كل الانحطاط ، ولا يمكن أن يشك لا في إخلاصه ، ولا في الحمية الدينية التي كان قلبه مفعماً بها ))[16] .



ويقول مونتيه نفسه في مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن :



(( كان محمد نبياً صادقاً ، كما كان أنبياء بنى إسرائيل في القديم ، كان مثلهم يؤتى رؤيا ويوحى إليه ، وكانت العقيدة الدينية وفكرة وجود الألوهية متمكنتين به كما كانتا متمكنتين في أولئك الأنبياء أسلافه فتحدث فيه كما كانت تحدث فيهم ، ذلك الإلهام النفسي ، وهذا التضاعف في الشخصية اللذين يحدثان في العقل البشرى المرائي والتجليات والوحي والأحوال الروحية التي من بابها )) [17] .



هذا ، ولا بد من وقفة مطولة في دراسة صدق الرسول وصحة الرسالة الإسلامية ، في بحث مستقل سندرس فيه حقيقة الوحي ، وأن محمداً لم يؤلف القرآن ، ونرد على المزاعم الاستشراقية التي اتهمت الرسول بالصرح والجنون والاحتيال ، وبأن الوحي الذي سمعه في رؤاه الصادقة كان صوت الحقيقة الأبدية ، صوت الله الذي اختاره ليكون رسولاً للناس كافة .. . . . ونقول : أن الرسالة التي نزلت على الرسول r قد حملته أعباء هائلة فوق طاقة البشر ، يقول آتيين دينيه :



(( نزل الوحي كجذوة وهاجة بددت من نفس محمد كل شك ، و أشعلت فيما تلك الآمال اللاشعورية ، و تلك القوى الكامنة التي كدسها في نفسه خمس عشر سنة تقضت في التأمل والتحنث . لقد فح الوحي عينيه على آفاق شاسعة . وأطلعه على ما يجب أن يقوم به نحو تلك الرسالة من جهود جبارة خطرة . لم يدر بخلد محمد يومأ ما أنه سيحمل هذا العبء، الهائل ، ولثن كان بعض الرهبان قد تنبئوا بشي ، منه ، فإنه لم يعر تنبؤاتهم أي اهتمام ، بل لقد نسيها ، وان اضطرابه وخوفه ، حينا فوجي بالوحي ، من أن يكون فريسة لتخيلات شيطانية ، ليؤكدان لنا صحة ما نقول .



وهذا محمد الذي كان يفر من الاختلاط ببني جنسه ، والذي كان يأبى أية وظيفة من تلك الوظائف العامة ، التي كان مواطنوه على استعداد لأن يمنحوها إياه ، وقد أصبح -تحت تأثير الوحي - مستعدا لأن يواجه الحياة الصاخبة الجارفة ، وقد امتلأ قلبه إيماناً مكيناً، وأفعمت نفسه بشجاعة لا تلين ، و تأهب للقيام بالرسالة ، بل تأهب للقيام بأعظم رسالة اؤتمن عليما إنسان . ولقد تأهب ، في غير ما خوف أو إشفاق من تلك الامتحانات الهائلة التي لا مفر من أن يبتلى بها أمثاله من الهداة المرسلين . في تلك الليلة الخالدة ، ليلة القدر ، نزل القرآن كله من السماء العليا حيث كان محفوظاً بها إلى السماء الدنيا ، التي تنتشر مباشرة فوق كرتنا الأرضية . وفي هذه السماء الدنيا وضع القرآن في بيت العزة ، ذلك البيت الذي على سمت بيت الله : الكعبة المقدسة ))[18] .









--------------------------------------------------------------------------------

[1] جان تورنون كرو : العرب ، مقدمة الكتاب.



[2] المصدر السابق ، ص 65.

[3] توماس كارليل : الإبطال ، ص 70-71.



[4] المصدر السابق : ص 72.



[5] كارل بروكلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص 34.

· زُبر : كتب .



[6] عمر فروخ (في هامش بروكلمان ، ص 34).



[7] روم لاندو : الاسلام و العرب ، ص 31-32.



[8] المصدر السابق ، ص 32.



[9] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 59.

[10] جامع الاصول في احاديث الرسول ، ج 11 ، ص275-276.

[11] هنري لامنس : عهد الاسلام ، ص 62.



[12] المصدر السابق : ص 80.



[13] التر بتكين : الحياة تبدأ بالأربعين.



[14] ماكس ما يرهوف : العالم الإسلامي.

[15] رينيه غوسيه : مدينات الشرق.



[16] ادوار رينيه : المدينة الشرقية.



[17] ادوار مونتيه : نقلا عن الوحي المحمدي ، ص 45.



[18] اتيين دينه : محمد رسول الله ، ص 110.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالجمعة مايو 16, 2008 2:38 pm

ويجدر بنا أن نقف عند نقطة هامة ، أثارها بروكلمان عرضاً ، لكن وقف عندها الكثير من الباحثين الفرنسيين ، وهي أن الرسول r قد أخذ من اليهود والمسيحيين أخبارهم السالفة ، ومعلوماتهم الدينية والتاريخية ليشككوا بصدق الوحي ، لينتهوا إلى القول بأن القرآن من تأليف محمد ، ولقد أشار الباحث العربي اللبناني الدكتور عمر فروخ في تعليقه على كتاب بروكلمان بقوله :



(( أكثر المبشرين والمستشرقين يذكرون أن الرسول اتصل ببعض النصارى واليهود وأخذ عنهم عدداً من المعلومات الدينية والتاريخية . ثم هم يذكرون أن هذه المعلومات كانت خاطئة أو ناقصة .



أما وجه الحق فخلاف ذلك . إلا أنني لا أريد أن أريد هنا على المبشرين والمستشرقين مفنداً جميع أقوالهم فذلك مما يطول ، ومما اشتعل به نفر من العلماء أيضا كالشيخ محمد عبده . ولكنني أقول أن العرب أنفسهم قالوا للرسول أن ما في القرآن يشبه بعض ما يقوله علماء اليهود ، فنزلت الآيات الكريمة ( 26/192 - 197) : ) وانه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروحُ الأمينُ . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين . وانه لفي زبر · الأولين . أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى إسرائيل ؟ ( .



فالخلاف إذن لا يتناول أن بعض المعلومات التي في القرآن تشبه بعض المعلومات التي في التوراة ، بل في زعم هؤلاء بأن القرآن فهم هذه المعلومات فهماً خاطئاً في رأيهم أو أخذها من مصادر غير موثوقة . فالقضية كانت من العرب الأولين ومن المستشرقين اليوم قضية تعصب فقط ))[6] .



طبيعة محمل الروحية



لقد كان الرسول r ذا طبيعة روحية عالية ، جم التفكير ، عميق التقوى ، حساسا بطبعه ، متديناً بفطرته ، فرضت عليه أحواله الحياتية الخاصة وأسفاره و تعرفه على حقائق الحياة وتفكره بشؤون الكون ، أن يكون مهيأً لحمل الرسالة . . . . يقول الباحث الإنكليزي المستشرق روم لاندو :



(( وفي أمكان المرء أن يتخيل ، في يسر ، ما استشعره الشاب الحساس من وحدة وانفراد ، والأثر الذي لاذ لا بد لذا الوضع أن يتركه في تكوينه العقلي . والواقع أن ما نزل عليه بعد من وحي لم يهبط في خواء Vacuum ، بل هبط في جو من الاستبطان Introspeetion المحتوم و التساؤل الروحي - وهو الجو الذي يلائم في العادة حياة غلام فقد أباه وأمه ، وعدم الأخوة والأخوات )) [7] .



والى جانب كونه رجل فكر وذا طبيعة روحية ، كان رجلاً عملياً واقعياً ، أدرك نواحي الفساد في مجتمع قبلي وثني ، فابتعد عنه وهداه التفكير إلى بلوغ الحقيقة الأزلية القائمة على فكرة الإله الواحد . . . يتابع ( روم لاندو ) ، قائلاً :



((كان محمد تقيأ بالفطرة ، وكان من غير ريب مهيأ لحمل رسالة الإصلاح التي تلقاها في رؤاه . وبالإضافة إلى طبيعته الروحية ، كان في جوهره رجلاً عملياً عرف مواطن الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي ، وأدرك أن الإصلاحات الضروريه ينبغي أن تقدم إلى البدو الذين لا يعرفون انضباطاً والى المدينين الوثنيين ، في آن معاً ، على نحو تدريجي . وفي الوقت نفسه كان محمد يملك إيماناً لا يلين بفكرة الإله الواحد - وهى فكرة لم تكن جديدة كل الجدة في بلاد العرب - وعزماً راسخاً على استئصال كل أثر من آثار عبادة الأصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب)) [8].



أما الباحث العسكري جان باغوت غلوب ، الذي عرف في البلاد العربية باسم غلوب باشا ، حيث كان رئيساً لاركان الجيش الأردني ، فقد كتب عن تحنث الرسول ، ونزول الوحي عليه في كتابه : « الفتوحات العربية الكبرى » ، بقوله :



(( واقترب عام 610 ميلادية ، وكان محمد قد بلغ الأربعين من عمره وازداد ميله إلى الوحدة والتأمل . وكان يهرب من طرقات مكة المحرقة المغبرة ، ويلجأ إلى كهوف الجبال القريبة من الوادي العتيق الذي تقبع فيه المدينة ليقض فيا أحياناً أياماً متوالية . وتسرح أفكار الرجل متأملاً في هذه القمم الجرداء الداكنة التي يراها من فتحات الكهوف ، والتي لا تظهر عليها نأمة حياة ، ولا تفصلها عن بعضها إلا شعاب عميقة ضيقة من الأخاديد والوديان الجافة ، و تعود فتتركز على فلسفة الحياة الأخرى التي كان قد سمع نتفاً عنها من اليهود والنصارى ، وعلى وجود اله واحد أحد قوي صمد عنده الجنة السرمدية والحياة السعيدة الأزلية ، يمنحها للمؤمنين من عباده ، وعنده جحيم بما فيما من عذاب لا نهاية له ينزله بالكفرة وغير الصالحين .



وكان يعود إلى بيته وقد أثقلته هذه الأفكار فيبوح بها إلى زوجته الوفية خديجة التي ما برح يجد عندها المستقر والمراح والحث والتشجيع وقد مزجت في رعايتها له بين حب الزوج وحنان الأم .



وألف محمد اللجوء إلى الغار في الجبال في فترات معينة من شهر رمضان طلباً للتأمل والتعبد والتفكير والتهجد . وبينما كان يتعبد في غار حراء حسب عادته إذ نزل عليه جبريل رأس الملائكة )) [9] .



الوحي في كتب الحديث والسيرة



لقد اهتمت المصادر الإسلامية من كتب الحديث أو السيرة بمسألة الوحي ، حين صاع الرسول محمد r بالرسالة ، إذ كانت هذه الحادثة هي الانقلاب الخطير في حياة محمد r وبالتالي في حياة العرب . . . إذ بدأت منذ ذلك اليوم مرحلة تاريخية جديدة ، مع الدعوة الإسلامية . . . ونجد هنا من المناسب أن نذكر أحدى روايات الحديث ، من رواية للسيدة عائشة أم المؤمنين عن بدء الوحي بقولها :



(( أول ما بدىء به رسول الله r من الوحي : الرؤيا يا الصالحة في النوم ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه ، - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - قبل آن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق - وفي رواية : حتى فجأة الحق - وهو في غار حراء ، فجاء الملك ، فقال : اقرأ ، قال : قلت : ما أنا بقاريْ ، قال : فأخذني فغطني ، حتى بلغ منى الجهد ، تم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقاريء ، قال : فأخذني فغطني ثانية حتى بلغ منى الجهد ، تم أرسلني ، فقال : اقرأ : فقلت : ما أنا بقاريْ ؟ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد ، تم أرسلني ، فقال : ] و اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم { و ( 96/ 1-5 ) . فرجع بها رسول الله r يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال : زملونى ، زملونى ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر - : لقد خشيت على نفسي ، فقالت له خديجة : كلا ، أبشر ، فو الله لا يخزيك الله أبدا ، أنك لتصل الرحم ، و تصدق الحديث ، وتحمل الكلَّ ، وتكسب المعدوم ، و تقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .



فانطلقت به خديجة ، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قص - وهو ابن عم خديجة ، أخي أبيها- وكان امرءأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمى ، فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله r خبر ما رأى ، فقال له ورقة : « هذا الناموس الذي نزل الله على موسى ، يا ليتني فيما جذعاً ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك » . فقال له الرسول r : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وان يدركني يومك حياً أنصرك نصراً مؤزراً ، ثم لم ينشب ورقة أن توفي ، وخر الوحي ))[10] .



الوحي صوت الحقيقة الأبدية



هذا ، وقد تناول عدد من المستشرقين قصية البعثة ونزول الوحي على النبي محمد r ، وأن الصوت الذي سمعه في غار حراء كان حقاً هو صوت الحقيقة الأبدية التي أنزلها الله عليه عن طريق جبريل عليه السلام .



يقول الأب هنري لامنس :



(( هكذا كان محمد بحراء ، فكان ينشد الكون في تلك الجبال إلى كان يذهب يخلو بنفسه فما متأملا في السماء ذات الكواكب ، إلى ما كان في يسمعه من أعمق أعماق قلبه ، وهو الرجل الأمي الفطري الصادق ، و ذلك الصوت هو صوت الحقيقة الأبدية ))[11] .



ويتابع الأب هنرى لامنس ، قوله :



«لم يكن محمد ممن لم يعرف العالم الباطن ، نعم ، لم يكن متصوفاً بالمعنى المعروف ، إلا انه كان عن يرى أن الأمور التي في الغيب أعظم من الأمور التي تحت الحس ، المشهود أدنى درجة من المحجوب ، فالنظام الروحي في نظره هو الأهم وهو الوجود الحقيقي )) [12].



بينما كتب المشتشرق اليوغسلافي الدكتور التر بتكين (1833~1907 ) في مؤلفه (الحياة تبدأ بالأربعين »، قائلاً :



((في أحدى ليال شهر رمضان بينما كان محمد نائماً في أحد كهوف حراء، عاد فتجلى عليه ذلك الشبح ، وفي يده قطعة من الحرير عليها كتابة ، وقال له ذلك الشخص: اقرأ أ، فأجابه : لست بقاريء ، فأعاد عيه القول ثانياً : اقرأ - اقرأ أ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق إلى آخر السروة فردد محمد هذه الكلمات ، وأحس بالنور قد أشرق عليه » [13].



أما المستشرق الروسي ماكس مايرهوف ( 1815 _ 1887 ) فقد قال في كتابه : ( العالم الإسلامي ) :



((أن محمداً عام 610 للميلاد كان كثير التفكير والانفراد ، وكان يقصد إلى البادية ويخلو بنفسه في جبل حراء قرب مكة ، فرأى ذات يوم رؤيا هي أن الملك جبريل تجلى له ، وناوله كتاباً وقرأ عليه هذه الآيات ص السورة السادسة والتسعون من القرآن ) اقرأ باسم

ربك الذي خلق ( الخ نزل عليه هذا الكلام وحياً فأخبر امرأته بما وقع ، ثم جاء وحى آخر فيما بعد ، فلما شعر تغطى بثوب فسمع هذه الكلمات ) يا أيها المدثر قم فأنذر ودربك فكبر ( (74/3) ومنذ ذلك الحين اقتنع بأن الله اختاره مبشراً بعقيدة جديدة ، و تسمى برسول الله ليدعو إلى الله بلسان عربي مبين )) [14] .



أن نزول الوحي على النبي محمد r كان إيذاناً ببدء المرحلة التاريخية الحاسمة الجديدة في حياته - عليه السلام - أولاً ، وفي حياة شبه الجزيرة العربية ثانياً ، لقد كان الإسلام منعطفاً تاريخياً كبيراً ، ولا بد لانتشاره من أن يصطدم بكل القيم والعادات والتقاليد والعبادات السائدة . . . فالدعوة الجديدة تحمل في ثاناياها خصوصية مرحلتها وعالمية الدعوة دونما تناقض أو تنافر ، فهي تسعى إلى صلاح الإنسان وصلاح المجتمع ، ونبذ العادات القبلية الذميمة كوأد البنات والعبادات الوثنية ونقلها إلى العادات الإنسانية السامية ، ورأسها العبادة التوحيدية التي تقول بوحدانية الله وربوبيته .



صلاحية الرسالة ووحدانيتها



لذا ، فإن الكثير من المستشرقين المنصفين رأوا في دعوة الرسول دعوة إصلاحية قوامها صلاح المجتمعات و توحيديته : أي المناداة بوحدانية الله ، وان مرحلة النبوة الحقة التي جعلت من الرسول قطب أقطاب رجالات التاريخ العظماء ، وبطل الأبطال الأفذاذ ، وخاتم الأنبياء أصحاب الرسالات الخالدة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالخميس مايو 15, 2008 11:39 pm

من البعثة إلى الهجرة

الفصل الأول

البعـــــــــــــــــــــثة

الوحي وبدء البعثة



لقد عرف عن النبي r أنه كان دائب الاعتكاف يتأمل في سر الوجود ، حبب إليه الخلوة والتحنث ، يقض الأيام الطوال في العزلة والتعبد . . .



وكان نزول الوحي عليه في شهر رمضان من عام 610 ميلادية حين بلغ الأربعين من عمره وهو في غار حراء » فهو المصطفى المختار ليكون للناس كافة بشيراً ونذراً . . ..



يتحدث المستشرق الفرنسي جان توزنون كرو ( 1867 _ 1924 ) في كتابه « العرب » عن مقدمات النبوة وبدء البعثة في مقدمة كتابه بقوله :



((أن الله اصطفى محمداً لإرشاد أمته ، وعهد إليه هدم ديانتهم الكاذبة وإنارة أبصارهم بنور الحق ، فأخذ من ذلك العهد ينادى باسم الواحد الأحد ، بحسب ما أوحى إليه وبمقتضى عقيدته الراسخة )) . إلى أن قال :



(( وقذف في نفس محمد مجموع كتاب ملآن بالأسرار والإلهية ، وأوحى إليه مجموعة حقائق تجتاز مسافة عقله الطبيعي ، لذلك فإن الله علم الإنسان بالقلم » علمه ما لم يعلم ، هذا هو سر الوحي ، وهو مر الكلمة المكتوبة ، و كانت الكلمة المكتوبة وحياً إلهياً))[1].



ويتابع الباحث الفرنسي حديثه من بدء البعثة بقوله :



(( وفي نواحي سنة 610 للميلاد ، بلغ محمد أشده ، فكان لا يقدر أن يتصور حال قومه بدون أن يتألم ، وكان يرى أن أمراً ضرورياً ينقصه وينقص قومه ، وكان العرب ، كل قبيلة منهم عاكفة على صنمها ، وكانوا يقولون بالجن والأشباح والغيلان ، ولكنهم كانوا في غفلة عنها ، وكانت هذه الغفلة هي الموت الروحي ، وكان قلب محمد قد خلا من كل فكر غير الفكر بلله ، وكان قد تجرد من كل قوة غير هذه القوة ، وكان ليس في نظره غير واجب الوجود الأحد الصمد ، إلى أن قال : « وأحب محمد في تلك الفترة العزلة ، فكان يشعر في خلوته في جبل حراء بسرور عميق ، يتزايد يومأ فيوماً » فكان يقض هناك الأسابيع وليس معه إلا قليل من الغذاء ، لأن نفسه كانت تلتذ بالصوم والتهجد » ))[2] .



وتحدث المفكر الإنكليزي توماس كارليل في كتابه الأبطال عن اعتكاف الرسول r وتفكره بحقائق الحياة وأسرار الكون حين يقول :



« وكان من شأن محمد أن يعتزل الناس في شهر رمضان ، فينقطع إلى السكون والوحدة دأب العرب وعادتهم ، ونعمت العادة ما أجل وأنفع ، ولا سيما الرجل كمحمد ، لقد كان يخلو إلى نفسه فيناجي ضميره صامتاً بين الجبال الصامتة ، متفتحاً صدره لأصوات الكون الغامضة الخفية . آجل ، حبذا تلك عادة ونعمت ، فلما كان في الأربعين من عمره وقد خلا إلى نفسه في غار بجبل ( حراء ) قرب مكة شهر رمضان ، ليفكر في تلك المسائل الكبرى ، إذ هو قد خرج إلى خديجة ذات يوم ، وكان قد استصحبها ذلك العام و أنزلها قريباً من مكان خلوته ، فقال لها : انه بفضل الله قد استجلى غامض السر واستثار كامن الأمر ، وأنه قد أنارت الشبهة وانجلى الشك وبرح الخفاء ، وآن جميع هذه الأصنام محال ، وليست إلا أخشاباً حقيرة ، وان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، فهو الحق وكل ما خلاه باطل ، خلقنا ويرزقنا وما نحن وسائر الخلق والكائنات إلا ظل له وستار يحجب النور الأبدي والرونق السرمدي ، الله اكبر والله الحمد ، ثم الإسلام وهو آن نسلم الأمر لله ، ونذعن له ، ونسكن إليه ، ونتوكل عليه ، وآن القوة كل القوة في الاستنامة لحكمه ، والخضوع لحكمته ، والرضا بقسمته ، أية كانت في هذه الدنيا وفي الآخرة ، ومهما يصبنا به الله ولو كان الموت الزؤام فلنلقه بوجه مبسوط و نفس مغتبطة راضية ، و نعلم أنه الخير وآن لا خير إلا هو ))[3] .



ويتابع كارليل الحديث عن هذا الاعتكاف والتفكر في شؤون الحياة والكون ، إذ كشفت له الحقيقة وأنيرت بصيرته ، مع نزول الوحي عليه » بقوله :



((نعم ، هو نور الله قد سطع ئ روح ذلك الرجل فأنار ظلماتها، هو فياء باهر كشف تلك الظلمات التي كانت تؤذن بالخسران والهلاك ، وقد سماه محمد _عليه السلام _ وحياً و« جبريل » ، وأينا يستطيع أن يحدث له اسماً ، ألم يجيء في الإنجيل أن وحى الله يهبنا الفهم والإدراك ، ولا شك أن العلم والنفاذ إلى صميم الأمور وجواهر الأشياء سر من أغمض الأسرار لا يكاد المنطقيون يلمسون منه إلا قشوره . وقد قال نوفاليس : « أليس الإيمان هو المعجزة الحقة الدالة على الله ؟ » فشعور محمد - إذ اشتعلت روحه بلهيب هذه الحقيقة الساطعة _ بأن الحقيقة المذكورة هي أهم ما يجب على الناس علمه ، لم يك إلا أمراً بديهياً ، وكون الله قد أنعم عليه بكشفها له ونجاه من الهلاك والظلمة ، وكونه قد أصبح مضطراً إلى إظهارها للعالم أجمع ، هذا كله هو معنى كلمة ( محمد رسول الله) وهذا هو الصدق الجلي والحق المبين))[4] .



لقد أنار نزوع الرسول r إلى الوحدة والتأمل الوجداني العميق ، مفكراً بالشؤون الدينية والقضايا الاجتماعية ، أنار له الطريق لإدراك جوانب الفساد وضروب الضلال في المجتمع المكي، كما كشف له الحقيقة الأزلية : حتمية وجود خالق فرد صمد ، ولا بد بالتالي أن يخضع هذا الكون الكبير لنواميس تديره ، ~ من أصنام قريش وأوثانها



ويتحدث المؤرخ الألماني كارل بروكلمان في كتابه : « تاريخ الشعوب الإسلامية » عن بعثة الرسول بقوله :



(( وأغلب الظن أن محمداً قد انصرف إلى التفكير في المسائل الدينية في فترة مبكرة جداً ، وهو أمر لم يكن مستغرباً عند أصحاب النفوس الصافية من معاصريه الذين قصرت العبادة الوثنية عن أرواء ظمئهم الروحي . و تذهب الروايات إلى أنه اتصل في رحلاته ببعض اليهود والنصارى ، أما في مكة نفسها فلعله اتصل بجماعات من النصارى كانت معرفتهم بالتوراة والإنجيل هزيلة إلى حد بعيد . ومع الأيام أخذ الإيمان بالله يعمر قلبه ويملك عليه نفسه ، فيتجلى له فرغ الآلهة الأخرى )) [5] .

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالخميس مايو 15, 2008 11:38 pm

الأمين وبناء الكعبة



ولما بلغ النبي محمد r من عمره الخامسة والثلاثين ، تعرضت الكعبة للهدم ، فعمدت قريش إلى بنائها ، فلما تنازع القرشيون فيما بينهم من الذي يضع الحجر الأسود في مكانه ، اتفقوا على تحكم أول من يخرج لهم ، .. فكان r أول من خرج ، فحكم بينهم بأن يجعلوا الحجر الأسود في ثوب ثم يرفعه من كل قبيلة رجل .



وجاء في أحدى روايات كتب الحديث الشريف : أنهم قالوا : نحكم أول من يدخل من باب بني شيبة ، فكان أول من دخل منه ، فاخبروه فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه ، وأمر كل فخذ من قبائل قريش بأن يأخذ بطائفة من الثوب فرفعوه م أخذه فوضعه بيده الشريفة )) [30] .



وقد استرعت هذه الحادثة انتباه المستشرق الألماني أغسطينوس موللر ( 1148- 1894) الذي درس اللغة العربية في فيينا ، فتوقف عندها ملياً ، وقال في كتابه « الإسلام » :



(( ذكر أن قريشاً هدمت الكعبة ، وكان النبي هو ابن -35- منة يشتغل معهم ، وتعرض لتنازع قريش برفع الحجر الأسود فيضعه مكانه ، ثم تعرض لسياسة النبي محمد في هذا المقام وأنه أدهش قريشاً بسياسته الرشيدة .



ولقد راح بعض المستشرقين يعلق على هذا الحادث تعليقات مليئة بالتقدير والإعجاب لهذه الشعلة العبقرية التي مكنت محمدأ من تفهم الموقف بسرعة عظيمة ، والتوسل بهذه الحيلة البريئة إلى إرضاء زعماء قريش جميعاً )) [31] .



كما توقف الأب هنري لامنس عند هذه الحادثة فقال :



(( لما اختلفت قريش في قضية بناء الكعبة ، وأي فخذ منها يجب أن يعهد إليه بوضع الحجر الأسود في مكانه ، وكادوا يقتتلون ، فاتفقوا على أن يعهدوا بذلك إلى محمد بن عبد الإله الهاشمي ، قائلين هذا هو الأمين )) [32].



حادثة بناء الكعبة مقدمة النبوة



لقد ربط المستشرق الأسوجي أرثر جيلمان في كتابه : « الشرق » بين هذه الحادثة التي منعت اقتتال القبائل العربية التي هي بطون لقريش ووحدت إرادتهم في بناء الكعبة ، وبين المرحلة اللاحقة لبدء البعثة ، والتي تشكل مقدمة للنبوة بقوله :





(( لا بد أن يكون محمد قد تأثر بإعجاب القوم وتقديرهم العظيم هذه الفكرة التي بسطت السلام بين مختلف القبائل ، ولا يبعد أن يكون محمد قد أخذ يحس بنفسه أنه من طينة أرقى من معاصريه ، وأنه يفوقهم جميعاً ذكاءً وعبقرية ، وأن الله قد اختاره لأمر عظيم وقد اتفق المؤرخون على أن محمداً كان ممتازاً بين قومه بأخلاقه جميلة ، من صدق الحديث ، والأمانة ، والكرم وحسن . الشمائل و التواضع ، حتى سماه أهل بلده – الأمين – و كان من شدة ثقتم به يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم ، و كان لا يشرب الأشربة المسكرة لا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً)) [33] .



أجل ، لقد شهر عن الرسول ابتعاده عن الوثنية السائدة في قريش ، وكان دائم التفكير في أحوال أمته ، ينأى عن كل أسباب التلوث الفكري والعملي ، فعصمته إرادة الله عن ارتكاب المعاصي ، يأنس في نفسه الحدس فيما هو مقبل عليه ، بمرحلة تأمله في الحقيقة الأزلية لسر الوجود وجوهر الألوهية . . . . يقول المستشرق كادا دوفيك (1805_1877) في مؤلفه : « مفكرو الإسلام » :



(( أن محمداً من سن الخامسة والعشرين إلى الأربعين كان كثير التفكير هادئاً ساكناً، وكان حليماً تقياً حسن الأخلاق ، وانه عندما بلغ الأربعين توجهت جميع قواه العقلية إلى جهة التأمل في جوهر الألوهية ، والبحث عن الحقيقة الدينية ومذ ذاك أخذ يعتزل الناس ويخلو بنفسه في غار حراء بقرب مكة )) [34] .



مقدمات النبوة وسر الوجود



أن هذه الحالة الفكرية التأملية التعبدية التي عاشها الرسول - عليه السلام - كانت عملياً المقدمة للنبوة ، فالبحث عن الحقيقة في شؤون الحياة ، وواقع العرب ، ومسائل الدين لا بد أن يقود إلى معرفة الحقيقة ، وان يقترب الإنسان أكثر فأكثر من خالقه ، خاصة ، وأنه كان على موعد مرتقب مع الوحي الإلهي . . . . يقول توماس كارليل في هذا الصدد :



(( لقد كان سر الوجود يسطع لعينيه - كما قلت - بأهواله ومخاوفه وروانقه ومباهرة ، لم يك هناك من الأباطيل ، ما يحجب ذلك عنه ، فكان لسان حال ذلك السر الهائل يناجيه : « هأنذا » . فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى الهي مقدس ، و ما كلمة مثل هذا الرجل الا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة ، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية ، وكل القلوب واعية ، وكل كلام ما عدا ذلك هباء وكل قول جفاء ، وما زال منذ الأعوام الطوال ، منذ أيام رحله وأسفاره ، يجول بخاطره آلاف من الأفكار : ماذا أنا ؟ وما ذلك الشيء ، العديم النهاية الذي أعيش فيه ، والذي يسميه الناس كوناً ؟ وما هي الحياة ؟ وما هو الموت ؟ وماذا أعتقد ؟ وماذا أفعل ؟ فهل أجابته على ذلك صخور جبل حراء ، أو شماريخ طود الطور ، أو تلك القفار والفلوات ؟ كلا ولا قبة الفلك الدوار، واختلاف الليل والنهار ، ، ولا النجوم الزاهرة والأنواء الماطرة . لم يجبه لا هذا ولا ذاك ، وما للجواب عن ذلك إلا روح الرجل وألا ما أودع الله فيه من سره .



وهذا ما ينبغي لكل إنسان أن يسأل عنه نفسه ، فقد أحس ذلك الرجل القفري أن هذه هي كبرى المسائل وأهم الأمور ، وكل شيء عديم الأهمية في جانبها ، وكان لم إذا بحث عن الجواب في فرق اليونان الجدلية ، أو في روايات اليهود المبهمة ، أو نظام وثنية العرب الفاسدة ، لم يجده . وقد قلت إن أهم خصائص البطل ، وأول صفاته وأخرها ، هي أن ينظر من خلال الظواهر إلى البواطن ، فأما العادات والاستعمالات والاعتبارات والاصطلاحات ، فينبذها حميدة كانت أو رديئة . وكان يقول في نفسه : ( هذه الأوثان التي يعبدها القوم لا بد من أن يكون وراءها ودونها شيء ما هي لم إلا رمز له وإشارة إليه ، وألا فهي باطل وزور ، وقطع من الخشب لا تضير ولا تنفع ) .



وما لهذا الرجل والأصنام ، وأنى تؤثر في مثله أوثان ولو رصعت بالنجوم لا بالذهب ، ولو عبدها الجحاجح من عدنان والأقيال من حمير، أي خير له في هذه ولو عبدها الناس كافة ؟ إنه في وادٍ وهم في واد، هم يعمهون في ضلالهم ، وهو ماثل بين يدي الطبيعة قد سطعت لعينيه الحقيقة الهائلة ، فإما أن يجيبها و إلا فقد حبط سعيه ، وكان من الخاسرين. فلتجبها يا محمد، أجب ، لابد من أن توجد الجواب ، أيزعم الكاذبون أنه الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره ؟ حمق وأيم الله ، وسخافة وهوس، أي فائدة لمثل هذا الرجل في جميع بلاد العرب ، وفي تاج قيصر وصولجان كسرى، وجميع ما بالأرض من تيجان وصوالجة ، وأين تصير الممالك والتيجان والدول جميعها بعد حين من الدهر، أفي مشيخة مكة ، وقضيب مفضض الطرف ، أو في ملك كسري و تاج ذهبي الذؤابة منجاة للمرء ومظفرة ؟ كلا، إذن فلنضرب صفحاً عن مذهب الجائرين القائل أن محمداً كاذب ونعد مواقفهم عاراً وسبة » وسخافة وحمقأ» فلنربأ بنفوسنا عنه ولنترفع )) [35] .











--------------------------------------------------------------------------------

[1] القس لوازون : نقلا عن المقتطف، ج4 ، عدد7 .



[2] أخرجه احمد و البخاري في التاريخ و أبو نعيم و الطبراني و ابن سعد و البزاز و الحاكم وصححه و اقره الذهبي عن مسيرة ، و الترمذي و صححه عن أبي هريرة.

[3] أخرجه الإمام أحمد والبزار والبيهقي والطبرانى وأبو نعيم عن العرباض بن ساريه وصححه الهيثمي ورواه الحاكم وابن حبان وصححاه .



[4] أخرجه الحاكم عن عائشة و حسنة ابن حجر.



[5] ك . جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 23 (ترجمة د. محمد التونجي).

[6] آتيين دينيه و سليمان بن إبراهيم : محمد رسول الله ترجمة د. عبد الحليم محمود ، د. محمد عبد الحليم محمود ، ص 84.

[7] رواه إسحاق و البيهقي و الطبراني و أبو نعيم و أبو يعلي و ابن راهوية عن حليمة و حسنة الهيثمي.



[8] آتيين دينه : محمد رسول الله ، ص 85.

[9] توماس كارليل : الإبطال ، ص 69.



[10] ك . جيورجيو : ص24.



[11] المصدر ، ص 25.



[12] المصدر السابق.



[13] توماس كارليل : الأبطال ص : 68.

[14] آتيين دينه : محمد رسول الله ، ص 92 – 93.



[15] رواه ابن منذر.



[16] رواه ابن سعد و البيهقي و أبو نعيم و ابن عساكر.



[17] الفرد فانز : علم النفس.



[18] توماس كارليل : الإبطال 68.



[19] هنري لامنس : عهد الإسلام ، ص55.



[20] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 57.



[21] مارسيل بوازار : انسانية الإسلام ، ص 21.

[22] مونتجمري وات : محمد في مكة (ترجمة شعبان بركات)، ص 75.



[23] آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص 99.

[24] كليمان هوار : تاريخ العرب.



[25] جرسان دتاسي : نقلا عن كتاب (هذا هو الإسلام) ، ص 87.



[26] دون بايرون : اتح لنفسك فرصة (تعريب عبد المنعم محمد الزيادي)

[27] وليم موير : الإسلام ، ص 103.



[28] سيديو : تاريخ العرب ، ص 58.



[29] موير ، وليم : حياة محمد ، ص 20.

[30] رواه احمد و أبو داود الطياسي و البيهقي و أبو نعيم و يعقوب بن سفيان و حسنة الهيثمي.



[31] اغسطينوس موللر : الإسلام.



[32] هنري لامنس : عهد الإسلام ، ص65.

[33] اثر جيلمان : الشرق ، ص 117.



[34] كاد دوفيك : مفكروا الإسلام.

[35] توماس كارليل : الإبطال ، ص 69-70
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالخميس مايو 15, 2008 11:38 pm

وهنا لا بد لنا من وقفة ، عند آراء المستشرقين أمثال لامنس وغلوب باشا عن عزوا تبوؤ محمد مكانة مرموقة في مكة بفضل ثروة زوجته خديجة .



ومن إقرارنا بأن زواجه يسر له شؤون حياته وحرره من المشاكل المادية ، ليجعله أكثر تفرغاً للنواحي الروحية ، ولكن هيهات لهذا أن يعزز مكانته الاجتماعية ويدفعه لتسنم ذرى المجد بسبب ثروة زوجته لأنه كان أبعد عن حياة البذخ ، دائم التبتل والتأمل ، بل يمكن القول إن نجاح الرسول r مكانته في قبيلته وفي أخلاقه ، وأهانته وعصمته . . .



يقول المستشرق الفرنسي « مارسيل بوازار » في كتابه ((إنسانية الإسلام )) :



(( هذا ، ولقد أمن له هذا الزواج اليسر والرخاء ، فكان يقضي أوقات الفراغ في عمله بالتجارة في العزلة والتأمل في ما بلغته الأقوام العربية من التردي الخلقي ، كما كان يخلو - قبل رسالته بثلاثة أعوام - إلى غار حراء خلال شهر رمضان للتبتل و توزيع الطعام على الفقراء ))[21] .



ويتحدث الباحث الإنكليزي مونتجمري وات في كتابه « محمد في مكة » أن الرسول r بعد زواجه من خديجة ، أخذ يرتقي سلم النجاح في مجتمعه المكي ، لمكانته في عشيرته ولأخلاقه السامية . . . وأن خديجة رغم اهتمامها بالمسائل المادية كانت أعجب بكفاءاته الروحية وخير معوان له في المرحلة التالية ، يقول :



(( كانت السنوات التي تلت زواجه سنوات لم إعداد لعمله في المستقبل . ولم يحفظ لنا شيء عنها يسمح لنا بإعادة تكوين مراحل هذا الاستعداد . وأفضل ما نفعل هو أن نقوم ببعض الاستنتاجات مما وصلنا فيما بعد . كهذه الآيات في سورة الضحى ( 93/ 6- التي يبدو أنها ترجع لتجارب محمد الأولى.



]ألم يجدك يتيماً فآوى ، ووجدك ضالا فهدى ، ووجدك عائلاً فأغنى [.



يمكن أن نستنتج من هذه الآيات أن إحدى مراحل تفتحه كانت إدراكه أن يد الله قد أخذت بيده بالرغم من مصائب الدهر وسنعرف بعض الإشارات إلى هذه السنوات الغامضة بعد ))[22] .



وكانت خديجة رضي الله عنها خير رفيقة الحياة في مرحلة نبوته اللاحقة وأماً لأولاده ، يقول آتيين دينيه :



(( كانت خديجة أول زوجة بنى بها الرسول . وبقيت - طيلة حياتها - زوجه الوحيدة المحببة التي لا يجد غيرها إلى قلبه سبيلاً . وقد أنجبت له سبعة أولاد ، ثلاثة ذكور هم : القاسم ، والطاهر والطيب ، وأربع إناث : رقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وفاطمة . وبعد مولد القاسم الذي كان أول من أنجب الرسول من الذكور كني محمد بأبي القاسم . لكم سعد محمد بأن منحه الله طفلا ذكرا ولكم أعز محمد هذا الطفل وأحبه ، ولكم حزن حين أصابته المقادير ، وهو ما زال بعد في دور الطفولة . وأراد الله أن يكون مصي الطاهر والطيب مصير القاسم ، فمات الجميع قبل بعثة الرسول .



أما البنات فقد عشن إلى ظهور الإسلام وكن من أوليات أسلمن ، وساعدن جاهدات، في سبيل الله ورسوله ))[23] .



المثل الأعلى في الاستقامة و الأمانة



وأجمع مؤرخو السيرة على استقامة الرسول r وأمانته التي اعترف فيا أعداؤه قبل أصدقائه . . . وكان يلقب قبل البعثة بالأمين . . . . حتى أن زواج خديجة منها سببه استقامته ، يقول أستاذ اللغات الشرقية ورئيس مجمع البحوث والآداب في باريس المستشرق الفرنسي كليمان هوار (1854 -1927 ) في الجزء الأول من كتابه : ( تاريخ العرب )) :



(( كيف تعرف محمد إلى خديجة ، وكيف أمكن أن يحصل على ثقتها ويتزوج بها ، الجواب على الشق الأول لا زال غير معروف عندنا ، وأما على الشق الثاني فقد اتفقت الأخبار على أن محمداً كان في الدرجة العليا من شرف النفس ، وكان يلقب بالأمين ، أي بالرجل الثقة المعتمد عليه إلى أقصى درجة ، إذ كان المثل الأعلى في الاستقامة )) [24] .



وعن رفيع أخلاقه وسامي خصاله وعصمته من الانزلاق في مهاوي الرذيلة يتحد المستشرق جرسان دتاسي ، قائلاً :



((أن محمداً ولد في حضن الوثنية ، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة ، انزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة ، وإخلاصاً ونية حسنة غير عاديين إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم الأمين )) [25].



وبديهي أن يعتبر الباحثون المسلمون والمؤرخون العرب تلك الصفات ، و هذه السجايا من دلائل النبوة ، و تتمثل أشد ما تتمثل بعصمة الله رسوله المرتقب من أجواء الرذيلة الشائعة في جاهلية العرب ، وأنه صلوات الله عليهى كان يشعر انطلاقاً من حدسه بأن عليه الابتعاد عن المعاصي والموبقات ، وأن الله جلت عظمته اختاره لأداء رسالة عظيمة . . . وعن هذا الأمر يتحدث الباحث الأرجنتيني دون بايرون ( 1839 _ 1900 ) في مؤلفه : « أتح لنسفك فرصة » فيقول :



« لا يبعد أن يكون محمد يحس بنفسه أنه في طينته أرق من معاصريه ، وأنه يفوقهم جميعاً ذكاء وعبقرية ، وأن الله اختاره لأمر عظيم وقد اتفق المؤرخون على أن محمد بن عبد الله كان ممتازاً بين قومه بأخلاق حميدة ، من صدق الحديث والأمانة والكرم وحسن الشمائل والتواضع حتى سماه أهل بلده الأمين ، وكان من شدة ثقتهم به وبأمانته يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم ، وكان لا يشرب الاشربة المسكرة ، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً ، وكان يعيش مما يدره عليه عمله من خير ، ذلك أن والده لم يترك له شيئاً يذكر ، ولما تزوج خديجة كان يعمل بأموالها () [26].



إذاً ، كانت حياة الرسول الأولى ، قبل أن ينزل عليه الوحي حياة الهدوء والسلام ، يميل للدعة ، مما وقف تجاهه المستشرق الايرلندي السير وليم موير (1808-1867 ) في كتابه (الإسلام) ، فقال :



(( إن محمداً لم يكن في وقت من الأوقات طامعاً في الغنى ، إنما سعيه كان لغيره ، ولو ترك الأمر لنفسه لآثر أن يعيش في هدوء وسلام قانعاً بحالته )) .



وقال ، في مكان آخر :





((إن النبى محمداً في شبابه طبع بالهدوء والدعة والطهر والابتعاد عن المعاصي التي كانت قريش تعرف بها )) [27].



ويقول المستشرق سيديو ، في الجزء الأول من كتابه : ( تاريخ العرب) :



(( ولقد بلغ محمد من العمر خمساً وعشرين سنة استحق بحسن مسرته واستقامته مع الناس أن يلقب بالأمين ثم استمر على هذه الصفات الحميدة حتى نادى بالرسالة ودعا قومه إليها فعارضوه أشد معارضة ، ولكن سرعان ما لبوا دعوته وناصروه ، وما زال في قومه يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، ويفيض عليم من عمله وأخلاقه )) [28] .



وعن هذه القضية يتحدث المؤرخ والمستشرق الإنكليزي السير موير في كتابه : (حياة محمد ) :

((إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه، وحسن سلوكه . ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف ، ولا يعرفه من جهله . وخبير به من أنعم النظر في تاريخه المجيد ، وذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم )) [29] .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالخميس مايو 15, 2008 11:38 pm

كفالة عمه إياه



وحين توفى جد الرسول r عبد المطلب وهو في الثامنة من عمره ، كفله عمه أبو طالب رأس أسرة بنى هاشم بعد أبيه ، فأحسن تربيته ، وسافر معه إلى الشام في بعض رحلاته التجارية ، فالتقي النبي محمد r وهو في الثانية عشر من عمره بالراهب ( بحيرا ) واسمه جرجيس ، في بصرى الشام ، و توسم هذا الأخير به علامات النبوة . . . ولقد أوصي بحيرا الراهب أبا طالب أن يعني بابن أخيه لأنه سيكون النبي المرتقب وحذره من خطر اليهود . . .



رحلته الأولى إلى بلاد الشام ولقاؤه ببحرا الراهب



تقول كتب السيرة والحديث ، أن بحيرا الراهب حين رأى رسول الله قال وهو آخذ بيده :



(( هذا هو سيد المرسلين ، هذا سيد العالين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ، فقيل له وما علمك بذلك فقال : أنكم حين أشرفتم به من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ، ولا يسجدان إلا لنبي ، و أني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة و أنا نجده في كتبنا ، وسأل أبا طالب أن يرده خوفاً عليه من اليود )) [12] .



ولقد بحث الكاتب الإنكليزي توماس كارليل قضية لقاء الرسول r ببحيرا الراهب ، وما كان لهذا اللقاء من أثر على توجيه للتفكر في قضايا الحياة والخلق . . . وقد رد كارليل في كتابه الأبطال على تلك المزاعم التي تقول إن ذلك الراهب قد لقنه العلم و انه وراء النبوة التي أنزلت على النبي محمد r يقول :



« ولما شب محمد وترعرع ، صار يصحب عمه في أسفار تجارية وما أشبه ، وفي الثامنة عشر من عمره نراه فارساً مقاتلاً يتبع عمه في الحروب ، غير أن أهم أسفاره ربما كان ذاك الذي حدث قبل هذا التاريخ ببضع سنين ، رحلة إلى مشارف الشام ، إذ وجد الفتى نفسه هنالك في عالم جديد إزاء مسألة أجنبية عظيمة الأهمية جداً في نظره ، أعنى الديانة المسيحية . واني لست أدري ماذا أقول عن ذلك الراهب سرجياس (بحيرا ) الذي يزعم أن أبا طالب ومحمداً سكنا معه في الدار ، ولا ماذا عساه أن يتعلمه غلام في هذه السن الصغيرة من أي راهب ما ، فإن محمداً لم يكن يتجاوز إذ ذاك الرابعة عشر ، ولم يكن يعرف إلا لغته ، ولا شك أن كثيراً من أحوال الشام ومشاهدها لم يك في نظره إلا خليطاً مشوشاً من أشياء ينكرها ولا يفهمها . ولكن الغلام كان له عينان ثاقبتان ، ولا بد من أن يكون قد انطبع على لوح فؤاده أمور وشؤون فأقامت في ثنايا ضميره ، ولو غير مفهومة ريثما ينضجها له كر الغداة ومر العشي ، وتحلها له يد الزمان يوماً ما ، فتخرج منها أراء وعقائد ونظرات نافذات ، فلعل هذه الرحلة الشامية كانت لحمد أوائل خير كثير وفوائد جمة )) [13] .



الرحلة الثانية إلى بلاد الشام



ولم تكن رحلته إلى الشام برفقة عمه هي الوحيدة ، بل كانت رحلته الثانية وهو ابن عشرين عاماً، التماساً للرزق على ما درج عليه المكيون في العمل بالتجارة » يقول آتيين دينيه :



(( كانت حالة أغلب المكيين - كأبي طالب - تضطرهم إلى التجارة ، فإقليمهم من أشد الأقاليم جدباً ، ولذلك لم يكن من الممكن لقانطيه أن يعيشوا إلا بالتعامل مع اليمن وسورية ، اللذين تربط بينهما مكة ، فكانت قوافلها تذهب إلى اليمن الذي أطلق عليه "الإقليم العربي السعيد " للبحث عن منتجاته والمنتجات التي تصل إليه عن طريق البحر، فيبتاعون مما تنتج الحبشة والهند والصين ، من التوابل والعطر والبخور ، والتبر، والحرير ، وفي عودتهم إلى الحجاز يضيفون إلى ذلك تمر يثرب أو الطائف . . ثم يذهبون بعد ذلك إلى سورية ليستبدلوا ببضائعهم منتجاتهم الزراعية : كالقمح ، والشعير ، والأرز ، والتين ، والزبيب ، يضاف إليها ما يوجد في سورية مما يصدره إليها اليونان والرومان . ولم تكن النساء بمعزل عن هذا النوع من التجارة : فقد كن يخترن من يخرج في مالهن للاتجار في مقابل جزء من الربح . هكذا كانت تفعل خديجة بنت خويلد ذات الثراء الواسع ، والحسب النبيل . وفي ذات يوم أرسلت إلى محمد – وقد كانت تسمع بما له من عقل متزن ، وأمانة وإخلاص - فعرضت عليه أن يسير على رأس تجارتها إلى الشام <، وأن تمنحه في مقابل ذلك ضعف ما كانت تمنح عادة لغيره )) [14] .



خبر لقاءه مع نسطور الراهب



و تتحدث كتب السيرة أيضاً عن لقاءه ، بحيرا الراهب ، وفي كتب أخرى مع نسطور الراهب ، وكيف أنه جلس في ظل شجرة ، وأنه في الرواية الأولى قال بحيرا الراهب لأبي بكر : (( هذا والله نبي ما استظل تحت ظلها بعد عيس إلا محمد r ، بين كان تعليق نسطور : (( ما نزل تحت ظل هذه الشجرة بعد عيس إلا نبي )) [15] .



زواج الرسول



و تزوج النبي محمد r خديجة بنت خويلد وهو ابن خمسة وعشرين عاماً ، بينما كانت هي في الأربعين ، وعلى جانب من الثراء والجمال ، (( ويقال إنها تزوجته لما عرفت عنه من الأمانة والإخلاص والنباهة ، وإنها رأت فيه علامات النجابة والنبوة ، وان غلامها ميسرة أخبرها حين رجع من رحلته مع الرسول من الشام بأنه شاهد في الهاجرة ملكين يظلانه من الشمس ))[16] .



لقد اتفقت الدارسات الاستشراقية على أن النبي شهر بأخلاقه السامية وأمانته وشرف نفسه، يقول الباحث والمستشرق البلجيكي ألفرد الفانز ، في كتابه علم النفس : عن أخلاقه r وأمانته وزواجه من خديجة :



(( شب محمد حتى بلغ ، فكان أعظم الناس مروءة وحلماً وأمانة ، وأحسنهم جواباً، وأصدقهم حديثاً ، وأبعدهم عن الفحش حتى عرف في قومه بالأمين ، وبلغت أمانته وأخلاقه المرضية خديجة بنت خويلد القرشية ، وكانت ذات مال ، فعرضت عليه خروجه إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسر ، فحرج وربح كثيراً ، وعاد إلى مكة واخبرها ميسرة بكراماته ، فعرضت نفسها عليه وهي أيم ، ولها أربعون سنة ، فأصدقها عشرين بكرة، وتزوجها وله خمسة وعشرون سنة ، ثم بقيت معه حتى ماتت )) [17] .



هذا ، وقد توقف المفكر الإنكليزي توماس كارليل عند زواج الرسول الحازم الأمين من خديجة التي أعجبت به ، وحبه العميق إياها ، وعيشه معها تلك العيشة الهادئة ، حتى ثار في أعماقه ألق النبوة :



(( وما ألذ وما أوضح قصته مع خديجة ، وكيف أنه كان أولاً يسافر في تجارات لها إلى أسواق الشام ، وكيف كان ينهج في ذلك أقوم مناهج الحزم والأمانة ، وكيف جعل شكرها له يزداد وحبها ينمو ، ولما زوجت منه كانت في الأربعين ، وكان هو لم يتجاوز الخامسة والعشرين ، وكان لا يزال عليها مسحة من ملاحة .



ولقد عاش مع زوجه هذه على أتم وفاق وألفة وصفاء وغبطة ، يخلص لها الحب وحدها ، ومما يبطل دعوى القائلين أن محمداً لم يكن صادقاً في رسالته ، بل كان ملفقاً مزوراً أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة ، لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا دوى ، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة ، ولما يك الا بعد الأربعين أن تحدث برسالة سماوية . ومن هذا التاريخ تبتدىء حوادثه وشواذه ، حقيقة كانت أم مختلقة ، وفي هذا التاريخ توفيت خديجة . نعم ، لقد كان حتى ذاك الوقت يقنع بالعيش الهادىء الساكن ، وكان حسبه من الذكر والشهرة حسن آراء الجيران فيه ، وجميل ظنونهم به ، ولم يك إلا بعد أن ذهب الشباب واقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذي كان هائجاً ، و ثار يريد أمراً جليلاً وشأناً عظيماً )) [18] .



وكتب المستشرق البلجيكي الأب هنري لامنس ( لا 186 _1977 ) الذي عرف بدراسته عن عرب الجاهلية والعهد الأموي ، فصلاً في أحد مؤلفاته (عهد الإسلام) يقول :



((ن محمداً بعد أن تزوج بخديجة أصبح معروفاً في قومه ، وكان الناس يجلون أوصافه ويحمدون سيرته ، ويلقبونه بالأمين أي الصادق الذي يعتمد عليه ))[19] .



ويقول غلرب باشا في كتابه الفتوحات العربية الكبرى :



(( وحرر ثراء خديجة زوجها محمداً من العوز ، وفسح له المجال لاحتلال مركز اجتماعي مرمرق في مجتمع مكة الذي يقدر الثراء ))
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالخميس مايو 15, 2008 11:37 pm

من مولده ( r) إلى مبعثه (u)



مولده ( r)



كانت حياة الرسول محمد r متميزة عن حياة أقرانه ، فقد ولد يتيماً ، إذ مات أبوه عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وهو في بطن أمه آمنة بنت وهب بن عبه مناف عام الفيل الموافق لعام 570 للميلاد . . . يقول القس الفرنسي لوازون في محاضرة له عن الرسول محمد r :



(( أواخر جميع الأنبياء كان يعتقد المسلمون هو محمد الذي ولد في مكة لعشر ليال مضت من ابريل سنة 570 للميلاد ، وكانت عائلته شرف عائلة في قريش ، وهى إحدى القبائل الشهيرة في بلاد العرب ، وصاحب النسب المرتقي إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وقد كان جده متولياً سدانة الكعبة ، وكانت دار حكومتهم ، معبد ديانة العرب الوثنية ، وتوفي والده عبد الله قبل ولادته ، و توفيت أمه وهو ابن ستة أعوام ، وكان على أعظم ما يكون من كرم الطباع وشريف الأخلاق ، ومنتهى الحياء ، وشدة الإحساس ، وقد كفله جده وهو ابن ست سنوات وأثناء كفالته بدأت تظهر من محمد علامات الذكاء ورجاحة العقل ، ومر



بصبيان يلعبون فدعوه للعب معهم ، فأجابهم أن الإنسان خلق للأعمال الجليلة ، والمقاصد الشريفة ، لا للأعمال السافلة والأمور الباطلة ، وكان على خلق عظيم ، وشيم مرضية ، شفوقاً على الأطفال ، مطبوعاً على الإحسان ، غير متشدق في نفسه ، و لا صلف في معاملته مع الناس ، وكان حائزاً قوة إدراك عجيبة ، وذكاء مفرط ، وعواطف رقيقة شريفة ))[1] .



علامات النبوة في مولده :



لقد دلت الدراسات الإسلامية لسيرة الرسول r ، على أن علامات النبوة ، قد رافقته منذ ولادته ، وأن بعضاً من تلك الدلائل كانت سابقة على ميلاده ، وتستدل على أنه سيكون للعرب نبيهم المرتقب . . . وليس هذا بالأمر العجيب ، إذ كانت نبوة الرسول قديمة قدم ألخلق ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد )) [2] وفي رواية ثانية للرسول r يتحدث فيها عن قدم رسالته ودلائل نبوته حين رأت أمه يوم مولده نوراً أضاء قصور الشام بقوله r :



(( إني عند الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بتأويل ذلك ، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيس بي ، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين ))[3] .



و تذكر كتب السيرة الإسلامية والحديث أن اليهود اضطربوا يوم مولد الرسول ، ففي رواية لأم المؤمنين عائشة أنها قالت :



(( كان يهودي قد سكن بمكة فلما كان الليلة التي ولد فيها رسول الله r قال : يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا : لا نعلم قال : انظروا فإنه ولد في هذه الليلة نبي هذه الأمة بين كتفيه علامة ، فانصرفوا فسألوا فقيل لهم قد ولد لعبد المطلب غلام فذهب اليهودي معهم إلى أمه فأخرجته لهم فلما رأى اليودي العلامة خر مغشياً عليه وقال : ذهبت النبوة من بنى إسرائيل يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب ))[4] .



ولم يغب على بال المستشرق والوزير الروماني كونستانس جيورجيو ( المولود عام 1916) في كتابه : " نظر ة جديدة في سيرة رسول الله" ، أن يذكر أن السيد المسيح قال لحوارييه حسب رواية في إنجيل يوحنا : إنه سيأتي بعدي شخص يقويكم ويحميكم وإنه سيرسل إليكم" باركلت" لأنني لن أدعكم يتامى ، وقد أعلن المسيحيون بعد صعود السيد المسيح أن "باركلت" هو نفسه روح القدس . . . يقول جورجيو :



(( ويرى المسلمون أن النصارى حرفوا كلمة السيد المسيح ، لأنه قال انه سيأتي بعدي " بريكلي توس" ومعناها باليونانية ( أحمد )وهو بمعنى ( الممدوح ) . وهو اسم نبي المسلمين . و ( محمد ) معناها الأكثر مدحاً . ويروى أن اليهود ذكروا هذه الكلمة "بريكي تول" ويعلمون أن السيد المسيح سيخلفه ( أحمد ) ، لأن اليهود ( والعهدة على الرواية ) ليلة ولادة رسول الله r اضطربوا كثيراً ، وتخوفوا من وضع آمنة))[5] .



طفولته في بادية بني سعد :



لقد كان لطفولة الرسول r في بادية بني سعد أثرها على بنيته الجسدية ومستقبلاً على تحوله الفكري ، فقد تكون في تلك البادية استعداده للتأمل الفكري منذ نعومة أظفاره ، يقول المستشرق الفرنسي آتيين دينيه في كتابه : "محمد رسول الله":



(( هذه الصحة الأخلاقية والجسمية التي يدين بها إلى البادية ، ساعدته كثيراً على تحمل ما ابتلي به بعد من محن .

كان محمد يحب إعادة ذكريات تلك الفترة ، كثيراً ما كان يقول : " إن من نعم الله علي التي لا تقدر، أني ولدت في قريش أشرف القبائل، وأني نشأت في بادية بني سعد، أصح المواطن بالحجاز " وقد بقيت منطبعة في نفسه صور البادية التي كانت أول الأشياء تأثيراً في حسه عندما كان يسرح فيما مع الرعاة فيتسلق شرفاً ليلاحظ القطعان في مراعيهاً.



على أن استعداده للتأمل والوحدة لم يكن لينسجم مع أخلاق أقرانه الصاخبة ، فكان يفضل اعتزالهم في ألعابهم ، ويذهب وحيداً حيث الهدوء والسكون 0))[6] .



وتتحدث كتب الحديث والسيرة عن دلائل النبوة التي ظهرت له أثناء طفولته في بادية بنى سعد التي ترويهاً حليمة السعدية ، حين حضرت إلى مكة مع نساء عشيرتها لالتماس تربية أطفال أشراف مكة حسبما درجت عليه الطبقات الأرستقراطية التي تعهد بأبنائها للمراضع من القبائل البدوية لتنشئهم التنشئة الصحية في أجواء البادية . ومن جهتهم نقل المستشرقون ممن دونوا سيرة النبي عن تلك الكتب بما يخص طفولة الرسول ودلائل النبوة .



ولقد جاء في كتب السيرة والحديث عن طفولته ( صلوات الله عليه ) على لسان أمه بالرضاع حليمة السعدية ، قولها :



« قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء في سنة شهباء فقدمت على أتان لي ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ولا نجد في ثديي ما يغذيه ولا في شارفنا ما يغذيه ، فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله r فتأباه إذ قيل إنه يتيم الأب فو الله ما بقى من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعاً غره ، فلما لم أجد غيره قلت لزوجي إني لأكره أن أرجع من بين صواحباتي وليس معي رضيع ، لانطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . فذهبت فإذا هو مدرج في ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح منه المسك وتحته حريرة خضراء راقداً على قفاه يغط ، فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله فدنوت منه رويداً ، فوضعت يدي على صدره فتبسم ضاحكاً ففتح عينيه ينظر إلي فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء ، وأنا أنظر فقبلته بين عينيه وأعطيته ثدي الأيمن فأقبل عليه بما شاء من لبن ، فحولته إلى الأيسر فأبى ، وكانت تلك حاله بعد . قالت فروي وروي أخوه ، ثم أخذته بما هو إلى أن جئت به رحلي ، فأقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن ، فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي ، فقام صاحبي تعني زوجها إلى شارفنا تلك فإذا بها لحافل فحلب فشر ب وشربت حتى روينا وبتنا بخير ليلة . فقال صاحبي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه ، فلم يزل الله يزيدنا خيراً . قالت حليمة رضي الله عنها فودعت أم النبي r ثم ركبت أتاني وأخذته بين يدي فسبقت دواب الناس الذين كانوا معي ، وهم يتعجبون منها . م قدمنا منازل بي سعد ولا أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها وكانت غنمي تروح علي حين قدمنا شباعاً لبناً فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعانهم : اسرحوا حيث يسرح راعي غنم بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما نبض بقطرة لبن و تروح أغنامي شباعاً لبناً )) [7].



و تتحدث كتب السيرة كذلك عن خبر شق صدر الرسول r واستخراج علقة سوداء من قلبه ، مما يرمز لعصمته و تطهره ..



هذا، وقد علق آتيين دينه في كتابه : (( محمد رسول الله)) على حادثة شق صدر الرسول بقوله :



(( سجل القرآن هذه الحادثة في قوله ) الم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذي أنقض ظهرك ... (.



هذه القصة ككل القصص التي من نوعها، والتي يجدها القارىء أثناء قراءته هذا الكتاب يجب أن تؤول تأويلاً رمزياً . والقصة التي نحن بصددها تعنى : أن الله شرح صدر محمد إلى الفرح بحقيقة التوحيد ، إذ أزال عنه منذ الطفولة وزر الوثنية )) [8].



رعاية جده و توسميه له بالخير



هذا ، وتولى عبد المطلب بن هاشم جد الرسول محمد r رعاية حفيده و سماه محمداً . متوسماً به الخير، وكان يعتقد حسب مصادر الحديث _ بأنه سيكون له شأن . يقول توماس كارليل متحدثاً عن مولده وتوسم الخير به :



(( وكان بين هؤلاء العرب التي تلك حالهم ، أن ولد الرجل محمد (عليه السلام ) عام 570 ميلادي ، وكان من أسرة بني هاشم من قبيلة قريش ، وقد مات أبوه قبل مولده، ولما بلغ عمره ستة أعوام توفيت أمه ، وكان لها شهرة بالجمال والفضل والعقل ، فقام عليه جده الشيخ الذي كان ناهز المائه من عمر، وكان صالحاً بارا وكان ابنه عبد الله أحب أولاده إليه ، فأبصرت عينه الهرمة في محمد صورة عبد الله فأحب اليتيم الصغير بملء قلبه ، وكان يقول : (( ينبغي أن يحسن القيام على ذلك الصبي الجميل الذي قد فاق سائر الأسرة والقبيلة حسناً وفضلاً )) [9].



و تتحدث كتب السيرة الإسلامية ، أن جده كان يعتقد بأن محمداً سيكون نبي العرب ، ولم يكن هذا مستغرباً ، في تلك المرحلة التي تنتظر ولادة تاريخية جديدة ، ويقول الكاتب جيورجيو في دراسته حياة الرسول r ، واستدلال معاصريه بأنه سيكون الرسول المرتقب :

(( والأمر المسلم به أن العرب - في الماضي - لم يدهشوا من ولادة نبي ، لأن مثل هذا الأمر حصل في بعض أنحاء جزيرتهم قبلاً . حتى آمنة ، لم يبد عليهاً العجب ، فقد روي أنها سمعت أن ابنها نبي ، فلم تندهش لهذه البشرى ، لأن أرض العرب ، لم تكن أرضاً منجبة للأنبياء وحسب ، بل كانت مهاداً لأفراد خاطبوا الله تعالى ، بل إن كل أنبياء الجزيرة خاطبوا ربهم )) [10] .



وتابع قوله :



(( ففي شبه الجزيرة العربية المترامية الأطراف ، خلافاً للأقطار الأخرى ، وصحرائها التي لا يعترضها حاجز . . . ترى البصر يمتد إلى اللانهاية من كل طرف ، صحراء ممتدة الأرجاء ، وسماء لا نهاية لها . . . ولهذا فليس فيها ما يمنع إمكانية معرفة الله وملائكته . ولم تكن مصادفة الخالق في هذه الصحراء الواسعة حالة استثنائية نادرة ، كا كما لم تكن ولادة نبي فيها خارقة للعادة.



ويروي بالإضافة إلى آمنة _ إذ أقرباء محمد r جميعاً علموا أن هذا الطفل نبي . ومع هذا فإنهم لم ينظروا إليه نظرة لم أعجاب ، كما لم تختلف رعايتهم له عن رعاية غيره من أطفال قريش. ربما كانت نظرتهم لم إلى ولادة النبي عادية ، لأن المهم في الأمر أن هذا النبي في النهاية يستطيع أن يؤدى رسالته التي سيتلقاها ))
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق ابو تريكة
من كبار الإداريين
من كبار الإداريين



عدد الرسائل : 85
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

السيرة النبوية Empty
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية   السيرة النبوية I_icon_minitimeالخميس مايو 15, 2008 11:36 pm

إضاءات استشراقية على السيرة النبوية







الجزيرة العربية عشية البعثة النبوية



لقد ألهمت شخصية الرسول r الكثير من الباحثين في الشرق و الغرب، فدرسوا سماتها بفيض من المؤلفات التي صورت حياة محمد r و تناولت جوانب عظمته و عبقريته، و صفة البطولة الملحمية في سيرته التي انضوت في ثناياها حياة الأمة، تجسدت كحقيقة تاريخية ناصعة عبر دعوته التي أحدثت انقلابا في حياة تلك القبائل العربية المتناحرة فعمقتها امةً رائدةً أخذت بيد أمم و شعوب في معارج الرقي و التقدم، هاديا أيها إلى سبيل النور، و لم تلبث إلا ردحا قصيرا حتى انقلبت ثورة عالمية معطاءً خيراً و عدالة و معرفة.



عظمة أصحاب الرسالات



لا مرية في أن أصحاب الرسالة العظيمة عظماء في ذواتهم، عظماء في سيرتهم، و هم ان ظهروا بمرحلة تاريخية بعينها تركو بصماتهم ليس في مجتمعاتهم فحسب ، بل مدوا ظلهم على التاريخ في مشارق الأرض و مغاربها. و هذا ما حدا بالمستشرقين المنصفين لدراسة شخصية الرسول و تحليل صفاته الخلقية و الخلقية، و الاهتمام بدوره القيادي في المجتمع كصاحب رسالة سماوية لم تقتصر على العرب وحدهم ، بل كانت رسالة عالمية ؟، صالحة لكل زمان و مكان، و لقد جاء في تنزيل العزيز قوله تعالى : } و ما ارْسَلْناكَ إلا كافَّةً للنَّاسِ بَشيراً و نَذيراً { و } قُلْ يا أيُّها الناسُ أني رَسولُ الله إلَيْكُمْ جَميعاً { .



أن عظمة الرسول البارزة للعيان ، تكمن في انه كان حامل رسالة سماوية توحيدية ، شمولية تهدف أساساً إلى إصلاح حياة البشرية عامة، و نقلها من البربرية إلى الوثنية إلى الحضارة التوحيدية اليقينية .. يقول مؤلف "قصة الحضارة" الباحث الأمريكي وول ديوارنت :



(( كان محمد r نبياً كبيرا، و توحيديا كاملا و لم يكن له نظير جاء لإصلاح البشر ))[1].



و منذ نعومة أظافره r تبدت فيه علامات النباهة و النبوغ، و ظلت مرافقةً إياه في سائر أطوار حياته، و لذا شدت المستشرقين لدراستها، كما سبق أن استوقفت كتاب السيرة النبوية المسلمين الذين بحثوا بالتفصيل علائم النبوة و دلالتها في حياته – عليه السلام – بدءاً من مولده حتى التحاقه بالرفيق الأعلى، بل ذهب الكثير منهم إلى بحث علامات نبوته ، فيما كان يتردد حوله القول بأن امة العرب سيكون لها نبيها المرتقب ، و سيخرج من مكة ، و انه سيكون من قبيلة قريش، و على وجه التحديد من أسرة بني هاشم.



النفوذ السياسي و الاقتصادي و الروحي لقريش مكة :



كانت قبيلة قريش التي ينتسب إليها الرسول الكريم ، تتميز بين القبائل العربية بنفوذها السياسي و الاقتصادي و الروحي ، فقد توحدت بعد تفرق، و سكنت مكة منذ حوالي مئة سنة قبل انبعاث نور الإسلام بقيادة قصي احد أجداد النبي محمد r ، الذي أسس دار الندوة التي هي بمثابة مجلس المدينة ، و المكان الذي تعقد فيه الاجتماعات للتباحث في الأمور العامة و الخاصة التي تهم القبيلة دينياً و دنيوياً، و التشاور بين وجوه مكة في قضايا الحرب و السلم ، و بحث الشؤون السياسية و الاقتصادية ... و كان لتلك القبيلة السيادة الروحية و السياسية و الاقتصادية في قلب جزيرة العرب، خاصة و لها سدانة الكعبة، و كانت إلى ذلك فرعين : قريش "البطاح" التي تسكن قلب مكة ، و قريش "الظواهر" التي تقطن الضواحي – و تضم بهما بطون أمية و نوفل وزهرة و مخزوم و أسد و جمح و سهم و هاشم و تيم و عدي – و هي بذلك تؤلف أرستقراطية المدينة، و تهيمن على مختلف الأنشطة اقتصاديا و اجتماعيا في أواسط بلاد العرب غربها، ناهيك عما كان لها من تجارة واسعة مع البلاد المجاورة استدعت عقد اتفاقات مع رؤسائها، إذ كانت القوافل التجارية منظمة، و تسير بين مكة و بلاد الشام و اليمن، متبعة طريق التجارة الرئيسي المار بمكة. و أكسبت قريش – بفضل تعظيم العرب الكعبة و حجمهم إليها – فوائد اقتصادية، و نفوذاً روحياً و سياسياً بين القبائل[2] .



الكعبة المشرفة و الحجر الأسود و بئر زمزم :



و كان لقريش رموز قدسية ثلاثة بقيت في الإسلام، و هي الكعبة المشرفة التي يحج إليها العرب، و تضم الحجر الأسود، و إلى جانبها بئر زمزم ... و يتحدث المفكر الإنكليزي توماس كارليل عن رموزها الدينية و القدسية بقوله :



(( و الحجر الأسود كان من أهم معبودات العرب و لا يزال للان بمكة في البناء المسمى "الكعبة" ، و قد ذكر المؤرخ الروماني "سيسلاس" الكعبة فقال : إنها كانت في مدته اشرف معابد العالم طراً و أقدمها، و ذلك قبل الميلاد بخميس عاماً، و قال المؤرخ "سلفستر دي ساسي" ان الحجر الأسود ربما كان من رجوم السماوات، فإذا صح ذلك فلابد أن أنساناً قد بصر به ساقطاً من الجو ، و الحجر موجود الآن في جانب بئر "زمزم" و الكعبة مبنية فوقهما، و البئر – كما تعلمون – منظرا حيثما كان سار و مفرح، ينبجس من الحجر الأصم كالحياة من الموت، فما بالكم بها إذا كانت تفيض :







بديمومة لاظل في صحصحانها ترى الآل فيها يلطم الآل مائجاً أظل إذا كافحتها، و كأنني .

و لا ماء، لكن قورها الدهر عوّم و بارحها المسموم للوجه الطم بواجها دون اللثام ملثم .




وقد اشتق لها اسمها زمزم من صوت تفجيرها و هديرها، و العرب تزعم انها انبجست تحت أقدام هاجر و إسماعيل فيضاً من الله و شفاءً، و قد قدسها العرب، و الحجر الأسود، و ما شادوا عليهما الكعبة منذ ألاف السنين. وما أعجب هذه الكعبة و أعجب شأنها، فهي في هذه الآونة قائمة على قواعدها، و عليها الكسوة السوداء، يبلغ ارتفاعها سبعاً و عشرين ذراعاً، حولها دائرة مزدوجة من العمد، و بها صفوف من المصابيح، وبها نقوش وزخارف عجيبة، و ستوقد تلك المصابيح الليلة لتشرق تحت النجوم المشرقة، فنعم اثر الماضي هي، و نعم ميراث الغابر. هذه كعبة المسلمين، و من أقاصي المشرق إلى أخريات المغرب، و من دلهي إلى مراكش، تتوجه أبصار العديد المجمهر من عباد الله المصلين شطرها، و تهفو قلوبهم نحوها خمس مرات هذا اليوم و كل يوم. نعم، لهي و الله من اجل مركز المعمورة و اشرف أقطابها ))[3] .



مكة و مكانتها في جزيرة العرب :



مما تقدم نجد أن مكة كانت قبلة العرب، لان جوانحها تضم الرموز القدسية للعرب، بحكم موقعها التجاري الخطير، و لذا سرعان ما تطورت و غدت الحاضرة العربية الأولى في جزيرة العرب، يقول كارليل :



(( و إنما من شرف بئر زمزم و قدسية الحجر الأسود، و من حج القبائل إلى ذياك المكان، كان منشأ مدينة مكة. و لقد كانت هذه المدينة وقتاً ما ذات بال و شأن، و أن كانت الآن فقدت كثيراً من أهميتها. و موقعها من حيث هي مدينة سيء جداً. إذ هي واقعة في بطن من الأرض كثير الرمال ، وسط هضاب قفرة و تلال مجدبة، على مسافة بعيدة من البحر، ثم يمتاز لها جميع ذخائرها من جهات أخرى، حتى الخبز. و لكن الذي اضطر إلى إيجاد هذه المدينة هو أن كثيرا من الحجيج كان يطلبون المأوى، ثم أن أماكن الحج ما زالت من قديم الزمان تستدعي التجارة، فأول يوم يلتقي فيه الحجيج يلتقي فيه كذلك التجار و الباعة. و الناس حتى وجدوا أنفسهم مجتمعين لغرض من الأغراض رأوا انه لا بأس عليهم أن يقضوا كل ما يعرض لهم من منافع و أن لم يكن ذلك في الحسبان، لذلك صارت مكة سوق بلاد العرب باجمعها، و المركز لكل من كان من التجار بين الهند و بين الشام و مصر و بين إيطالية، و قد بلغ سكانها في حين من الأحيان مائة ألف نسمة بين بائعين و مشترين و موردين لبضائع الشرق و الغرب و باعة للمأكولات و الغلال، و كانت حكومتها ضربا من الجمهورية الأرستقراطية عليها صبغة دينية، و ذلك أنهم كانوا ينتخبون لها عشرة رجال من قبيلة عظمى، فيكون هؤلاء حكام مكة و حراس الكعبة.



و كانت الكعبة لقريش في عهد محمد ، و أسرة محمد من قبيلة قريش، و كان سائر الأمة مبدداً في أنحاء تلك الرمال قبائل تفصلها بين الواحدة و الأخرى البيد و القفار، و على كل قبيلة أمير أو أمراء، و ربما كان الأمير راعيا أو ناقل أمتعة، و يكون في الغالب غازيا. و كانت الحرب لا تخمد بين بعض هذه القبائل و بعضها الأخر. و لم يك يؤلف بينهم حلف علني إلا التقائهم بالكعبة، حيث كان يجمعهم على اختلاف و ثنياتهم مذهب واحد، و هي رابطة الدم و اللغة))[4] .



لغتنا العربية البنت الشرعية للهجة قريش :



ولم تقتصر معالم سيادة قريش على الجانبين الاجتماعي و الاقتصادي و حسب، بل كان للهجة قريش سيادتها في معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية. و ما اللغة العربية الفصحى، إلا البنت الشرعية للهجة قريش التي نزل بها القران الكريم، و كانت الأداة "اللغوية" التي وحدت أبناء الجزيرة العربية و أوصلت رسالة الإسلام إلى مختلف شعوب الأرض.



يقول المستشرق الهولندي رينهارت دوزي (1820-1884) مؤلف تاريخ الدولة الإسلامية في الأندلس و المغرب، و مدرسة اللغة العربية في لايدن، يقول في في مؤلفه "عرب أسبانية" :



(( كان يوجد على عهد محمد في بلاد العرب ثلاث ديانات : الموسوية و العيسوية و الوثنية)).



ثم مضى الباحث باسطاً عادات الوثنين الذميمة حتى انتهى الى القول :



(( في عهد هذه الأحوال الحالكة، ووسط هذا الجيل الشديد الوطأة، ولد محمد بن عبد الله في شهر أغسطس 29 منه عام 570، من هذا نرى أن العالم الإنساني كان بحاجة الى حادث جلل يزعج الناس عما كانوا فيه، و يضطرهم الى النظر و التفكير في امر الخروج من المأزق الذي تورطوا به ))[5] .



شبه الجزيرة العربية قبيل البعثة النبوية :



لقد عرفت الفترة السابقة لظهور الإسلام، عند المؤرخين العرب "بالجاهلية"، استنادا للوصف الذي أطلقه القرآن على تلك الحقبة السابقة لدعوة النبي، تدليلا على ما آلت إليه أحوال شبه الجزيرة العربية من تدهور و انحطاط، إذ ظهر الفساد في البر و البحر.



ولقد كتب باحث غربي عن الوضع الذي آلت أليه الحضارة الإنسانية قبل ضهور الدعوى الإسلامية بقوله :



(( في القرنين الخامس و السادس، كان العالم المتمدين، على شفا السقوط في هاوية الفوضى، لان العقائد التي تعين على إقامة الحضارة كانت قد انهارت، و لم يك ثمة ما يعتد به مما يقوم مقامها و كان يبدو وقتئذ أن المدينة الكبرى التي تكلف بناؤها جهود أربعة ألاف سنة مشرفة على التفكك و الانحلال ، و أن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية إذ أن القبائل تتحارب و تتناحر، فلا قانون و لا نظام. أما النظم التي خلفتها المسيحية فكانت تعمل على التفرقة و الانهيار، بدلا من الاتحاد و النظام فكانت المدينة التي تشبه شجرة ضخمة متفرعة، امتد ظلها إلى العالم كله، واقفة تترنح، و قد تسرب إليها العطب حتى اللباب ، و بين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي وحد العالم المعروف جميعه ))[6] .



الاتجاهات الفكرية الدينية في جزيرة العرب قبل البعثة



الوثنية في شبه الجزيرة العربية :



لقد ارتبطت الحياة الاجتماعية و الفكرية في شبه الجزيرة العربية بالذهنية الغيبية الوثنية التي تجلت بعبادة الأصنام المختلفة يتجه إليها عابدوها في تضرعهم و ابتهالاتهم اعتقاداً منهم القادرة على تسيير الحياة و المسيطرة على مصائر الناس، و أنها المنظمة لحركة الكون، هذا، و لقد اهتم المستشرقون بأوضاع شبه الجزيرة العربية قبل عموماً و بالوثنية العربية خصوصاً، يقول الدكتور جواد علي :



(( و قد عني المستشرقون بهذا الموضوع، فكتبوا بحوثا فيه. و من هولاء (ولهوزن) J.Wellhausen صاحب كتاب (بقايا الوثنية العربية) Arabischen Heidentums و (دتلف نيلسن) Detlef Nielson و (لودولف كريل) Ludolf Krehl و غيرهم.



و لقد اعتمد (ولهوزن) على ما نقله (ياقوت الحمودي) من كتاب الأصنام الذي لم يكن مطبوعاً و لا معروفاً ايام ألف (ولهوزن) كتابه عن الوثنية العربية.



ويعد كتاب (ولهوزن) أوسع مؤلف في موضوعه كتبه مستشروق عن الوثنية العربية، إنما تبعته حديثاً جملة بحوث عن الأصنام العربية ، إنما تبعته حدثيا جملة بحوث عن الأصنام العربية التي عثر عليها في الكتابات مما فات ذكراها في كتاب (ولوزن) ، لان أكثر النصوص الجاهلية لم تكن قد نشرت يومئذ، و بدهياً لم يكن في استطاعة هذا الرجل أن يبحث بشيء من التفصيل في الوثنية ببلاد العرب الجنوبية. و لذا كان أكثر ما جاء في كتاب (ولهوزن) مستمداً من روايات الإخباريين، و لذا كان ضروريا إضافة هذه البحوث الجديدة إلى ما كتبه هو و أمثاله ، لنحصل على صورة شاملة عن أديان الغرب قبل الإسلام))[7] .



و كان للوضع القبلي علاقة بعبادة الأصنام، فالآلهة الجاهلية كانت آلهة قبلية، و عبادتها عبادة متوارثة، فالصنم هو رمز القبيلة و ممثل الوحدة بين أفرادها، و الموكل بالدفاع عناه، و لذا عبده الأبناء أخذا من الآباء. و كان أي خروج عن عبادة صنم القبيلة يعني الخروج عن إرادتها، وأي تشكيك بهذا المعبود يعني تفكيكاً لوحتها .. و التي هي إدارة شيوخ القبيلة و ساداتها.



يقول الدكتور جواد علي :



(( نعم كان في إمكان أصحاب الكلمة و السيادة و الرئاسة تغيير أصنام القبيلة وتبديل آلهتها .. فهو هم السادة، و الناس تبع لساداتهم ، و في المثل " الناس على دين ملوكهم" لقد أضاف السادة أصناما إلى قبائلهم . فبعدت و تمسك أتباعها بعباداتها، و كانهم قد تلقوا أوامرهم من السماء. و نبذت قبائل بعض أصنامها بأمر من ساداتها ، و دخلت قبائل في الإسلام بدخول سيدها فيه، و دخلت أخرى قبل ذلك في النصرانية لتنصر سادتها ، بكلمة أقنعت الرئيس أو بعد محاورة أو بأبلال من مرض قيل له انه ببركة ذلك الدين، فدخل أتباعه في ذلك الدين من غير سؤال و لا جواب))[8] .

الإسلام



الحدث الكوني العظيم



تلك هي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي كانت سائدة في جزيرة العرب، و كذلك الحالة الفكرية الدينية المهيمنة على مشاعر العرب قبيل ظهور الإسلام، من وثنية مشركة ، وحركات دينية ضعيفة قوامها اليهودية و المسيحية و الحنفية ... إلى جانب ظهور محاولات إصلاحات دينية محلية، إذ ظهر قبل الإسلام عدد من الأنبياء العرب المصلحين، ورد ذكرهم في القران الكريم اذ بعث الله النبي هوداً في قبيلة عاد و صالحاً غفي ثمود و سواهما من أنبياء عهد الجاهلية.. و هكذا ضلت جزيرة العرب تعيش مرحلة مخاض تاريخي ، يقول توماس كاريل :



(( و على هذه الطريقة عاش العرب دهوراً طوالاً خاملي الذكر غامضي الشأن، أناسا ذوي مناقب جليلة و صفات كبيرة، ينتظرون من حيث لا يشعرون اليوم الذي يشاد فيه بذكرهم ، و يطير في الأفاق صيتهم، و يرتفع إلى عنان السماء صوتهم، و ما ذلك ببعيد، و كأنما كانت وثنياتهم قد وصلت إلى طور الاضمحلال و أذنت بالسقوط و قد حدثت بينهم دواعي اختلال و فوران)) [9].



و لم تقتصر أوضاع شبه الجزيرة على سيطرة الوثنية و عبادة الأصنام فيها، بل في كونها خاضعة للنظام القبلي الذي فرض حالة الانقسام السياسي و التمزق الداخلي ، بسبب كون كل قبيلة تشكل وحدة سياسية و اقتصادية – اجتماعية مستقلة، مما قاد إلى نشوب صراعات قبلية حالت دون توحيد الجزيرة العربية و جمع كلمة العرب، حتى إذا جاء الإسلام قضي على الوثنية المخزية و القبلية الخطرة ، بقيادة محمد r .. يقول وليم موير في كتابه حياة محمد :



(( كانت أولى الخصائص التي تلفت انتباهنا ، إذاً هي انقسام العرب إلى جماعات لاتعد و لا تحصى ، خاضعة لقانون في الشرف و الأخلاق واحد، و متمسكة بأهداب عادات واحدة ، و متحدثة في الأعم الأغلب بلغة واحدة، و لكن كلاً منها مستقلة عن الأخرى. كانت تلك الجماعات لا تعرف طمأنينة و لا استقراراً و كثيراً ما نشبت الحروب بينهما و حتى لو اتفق أن جمعتها رابطة الدم أو رابطة المصلحة فسرعان ما كانت تتفرق لاتفه الأسباب وتستلم لعداواتها الحقود. و هكذا كان خليقاً بمن يرجع البصر، قبيل بزوغ الإسلام إلى التاريخ العربي ، أن يرى – و كأنما بواسطة المبداع[10] Kaleidoscop - ، حالة من التمازج و التنافر لا تفتأ تتغير و تتقلب، مما أدى إلى إجهاض أيما محاولة من محاولات الوحدة الشاملة .. و كان لابد لهذه المشكلة من أن تحل عن طريق أيما قوة توفق إلى إخضاع العرب أو جمع شملهم ، و لقد حل محمد المشكلة)) [11].



و يتحدث القس لوزون في كتابه (الله في السماء)) عن الانقلاب المنتظر الذي قاده الرسول r ، بقولة :



(( لقد بعث محمد رسولاً إلى العرب و عاشت بلاد العرب الأزمان الطويلة عاكفة على عبادة الأصنام و توغلت في ذلك حتى احتاجت إلى انقلاب ديني عظيم )) [12].



و هكذا كان النبي محمد r هذا الرسول، الذي تمكن في المرحلة المقبلة بفضل كفاحه الإنساني المرير أن يحقق ذلك النجاح العظيم و التحول الكبير ليس في الجزيرة العربية وحسب، بل على الصعيد العالمي أيضا. و يتحدث مولانا محمد علي عن عظمة الرسول في نشر الوحدانية الإسلامية في بلاد العرب و قضاءه على الوثنية ، قائلاً :



(( من حضيض هذه الوثنية المخزية انتشل الرسول محمد (عليه اللام) بلاد العرب كلها في فترة من الزمان القصير لا تعدوا عشرين عاماً. انه لم يستأصل الوثنية من بلاد العرب استئصالاً نهائياً فحسب، بل أضرم في قلوب أولائك العرب أنفسهم شرارة من الحماسة لوحدانية الله دفعتهم إلى الانطلاق بعيدا في كل رجاً من إرجاء العالم المعروف آنذاك لرفع راية الإله الواحد، أيضا. و هذا الفطام لبلد برمته – يمتد على مساحة هائلة مقدارها مليون و مئتا ألف ميل مربع – عن لعنة الوثنية التي كانت تهيمن عليه هيمنة مطلقة نتيجة الإرث و التقاليد الراسخة، في مدة لا تتجاوز خمس قرن، بحيث اكتسبت ذلك البلد لقب (محطم الأوثان) المشرف، أقول أليس هذا الفطام هو أعظم معجزة قدر للعالم أن يشهدها في تاريخه كله؟ إلا يستحق الرجل الذي أحدث هذا التحول التقدمي لقب (خير الأنام) استحقاقاً لا مراء فيه )) [13].







--------------------------------------------------------------------------------

[1] وول ديورانت : نقلا عن الإسلام مبدأ و عقيدة ص 48.



[2] الموسوعة الميسرة، ص 1378.

[3] توماس كارليل : الابطال ، ص 63-64.

[4] المصدر السابق، ص 64-65.



[5] رينهارت دوزي : عرب أسبانيا .



[6] وليم موير : حياة محمد . مولاي محمد علي : محمد رسول الله ص 12-13 (ترجمة مصطفى فهمي و عبد الحميد جودة السحار).

[7] د. جواد علي : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، ج6 ، ص 15-16.

[8] المصدر السابق ، ص 65-66.



[9] توماس كاريل : الأبطال ، ص 68.



[10] المبداع : الة تحتوي على قطع صغيرة من الزجاج الملون يرى بها الناظر أشكالا شتى ذات منظر بديع.



[11] وليم مور : حياة محمد.



[12] القس لوزون : الله في السماء.

[13] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، ص 23-24.


عدل سابقا من قبل عاشق ابو تريكة في الخميس مايو 15, 2008 11:40 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السيرة النبوية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الجمال :: المنتديات الأسلاميه :: القسم الإسلامي-
انتقل الى: